Tuesday 15 September 2015

الله الله الله الله الله الله الله الله
•الله الله الله الله الله الله الله•
•الله الله الله الله الله الله•
•الله الله الله الله الله•
•الله الله الله الله•
•الله الله الله•
•الله الله•
•الله•

نناضل ونصبر ونتصبر على الجحود والسعير والألمنطرق ونحاول بجميع اللغات للحصدلا تضاهى نشوة مُاء الفُرًاتّ بعد الجهدوأي رونق يوازي ظلال فرحةمن انزاحت لأجله قمم شماءويربو المرام عن كل شيءفالرئة لا تكفر بالهواءولكننا لسنا أنبياءيموت المرء مرة واحدةولا في الثانية ملايين المرات .

Friday 11 September 2015

رن الهاتف ساعتها
احقا انتِ لي تطلبين
  مرَ عقدُ من الزمان
اعمر غادره الامان

الا زلتِ تذكرين
تريدين السماع لاخباري
ومافعلت بي اقداري

عم تسألين  
علي
ام على حلم السنين
عم تسألين  
عن امل من ورق
او وهم وليل وارق  
او عن الذي
مزقته كتابات المخبرين

عم تسألين  
عن فتىً ضاع شبابه
وكان اليأس له يقين

عم تسألين  
لست معشوقك الاول
لست ماضيّك الاجمل
لست الا ميتا 
ببلاد الميتين


عم تسألين  
في المنفى او الوطن
ذات العذاب وذات المحن
وفرح مكبل وسجين
لم يعد للهوى دربا اسيره
او حلما لاتبع اثيره
واستُبدل بالصخر الحنين
فارحلي عن سماي الملوثه
بئس مصير طوق الياسمين
اعد ايامي الاخيره ارحلي
ساغلق هاتفي اللعين
لم اعد فتاك الجميل وانما
انا واحد من الهالكين
عم تسألين 

العراقي 

Tuesday 8 September 2015


آمنتُ بربٍّ لا يُقهَرْ … سُبوحٍ قُدوسٍ أكبرْ

بالجبتِ كفرتُ وبالطاغو … تِ فدعْوَى الشّركِ هي المنكرْ
لا ربَّ لهذا الكونِ سوى الـ … ـخلّاقِ القيّومِ الأقْدَرْ
الخلقُ جميعًا قبَضتُهُ … في الحشرِ ويا هولَ المحْشَرْ
أبوابُ الخُلدِ مفتَّحةٌ … والنارُ بمن يَهْوِي تُسعَرْ
وملائكةُ النيرانِ على الـ … أبوابِ تنفِّذُ ما تُؤمَرْ
وأمامَ الجنَّةِ ترحيبٌ … من رضوانَ الملَكِ الأشْهَرْ
والرسْلُ بفردوسٍ أَعْلَى … والصِّدِّيقونَ ومن شَمَّرْ
الخلدُ طريقٌ مفروشٌ … بالشوكِ طويلٌ مسْتَوْعَر
والنارُ بلذّاتِ حُفَّتْ … وبِمَكْروهٍ حُفَّ الكَوْثَر
لا يغفرُ ربّي إشراكًا … والأدنَى من ذَنْبٍ يُغْفَرْ
وشفاعةُ أحمدَ للعاصي … من أهلِ الملَّةِ لا تُنكَرْ
وكذاكَ شفاعةُ قرآنٍ … وشفاعةُ طِفلٍ مُستَصْغَرْ
للهِ سَجَدْتُ ولم أسجُدْ … يومًا للطاغوتِ الأكفَرْ
للهِ نَذَرْتُ ولم أنذُر … للقبرِ ومن فيهِ يُقبرْ
باللهِ حَلَفْتُ ولم أحْلِفْ … بسواهُ فاللهُ الأكبرْ
للهِ عَمِلتُ وما راءيتُ … فذاكَ هو الشركُ الأصْغَرْ
في اللهِ أُجاهِدُ لا أبغِي … أجرًا أو أبغِيَ أن أُذكَرْ
والعونَ من المولى أرجُو … نعمَ المرجُوُّ المستنصَرْ
أدعُو الرحمنَ ولا أدعُو … ميتًا أو جنِّيًا أحمَرْ
وأخافُ الجبّارَ الأعلى … لا أخشَى جبارًا أصغَرْ
وأُحبُّ حبيبًا لا يفْنَى … لا ينسى الحِبَّ ولا يَبْهَرْ
للهِ ذبحتُ ولم أذبَحْ … لسواهُ الهَدْيَ ولم أَنحَرْ
وعلى القيّومِ توكلتُ … عَلَّامِ الغيبِ وما يَظهَرْ
ربّي الرزاقُ هو المعبودُ … هو المقصودُ هو الأظهَرْ
الكونُ جميعًا قبضَتُه … جلَّ الفعَّالُ المُستقدَرْ
العراق عروبته اسلامه تحريره
معركة القادسية
يوم عماس

نهاية يوم عماس
مما ينقله لنا التاريخ يتضح انه في ذلك اليوم العصيب الذي لم تغمض به عين لمقاتل سواء في الجيش العربي أو الفارسي لما استمرت المعركة كما أسلفنا حتى ضياء الفجر وبقيت دائرة حتى انطلق القعقاع بجنده صوب قلب الجيش الفارسي وقيادته بغية شق جبهته وخرقها بعد أن تم دحر الجناحين لذلك الجيش ولكي يضعف معنويات المقاتلين لما يتم الإجهاز على قائدهم العام رستم الذي كان موقعه في القلب وأيضا لكي تتجه التعزيزات إلى القلب وحده فيسنح للجيش الإسلامي الحركة الالتفافية بحرية اكبر فصاح القعقاع في قلب المعركة(إن الدائرة بعد ساعة لمن بدأ القوم فاصبروا ساعة واحملوا فان النصر مع الصبر) فتقدم المسلمون بحماس كبير أملا في النصر من عند الله فحملوا على عدوهم بهجمة عاصفة وركزوا على قوات القلب الفارسي التي كانت بمثابة فرقة قوامها خمسة عشر ألف مقاتل يحمل كل مقاتل فيها رمحا قاعدته تفاحة ذهبية وهو يجسد البذخ بذلك وقد استمات الجيش الفارسي بصبر كبير بلا طائل وقد ذكرت الوقائع إن نحو ثلاثين من كتائب الفرس قد أبيدت بذلك الموقف الحاسم لما رفضت التراجع واستمر الجيش العربي الإسلامي بهجومه الصاعق حتى خرقت الجبهة الفارسية كاملا ونجح تخطيط القائد الميداني القعقاع ووصل جنده إلى مقر القائد رستم وقد حصل ارتباك شديد فقد عمت الفوضى بصفوف الجيش الفارسي واندحر وتقهقر فقد ألقى كثيرا من الجنود الفرس بأنفسهم في النهر ليفروا صوب الجهة الأخرى خصوصا بعد أن رأوا إن قائدهم قد فعل كذلك فقد ألقى القائد رستم بنفسه في نهر العتيق محاولا الهرب وتجنب المصير المحتوم إلا إن احد المقاتلين العرب وقيل انه هلال بن علقمة قد تمكن من قتله بعد أن أخرجه من النهر فضربه بالسيف على جبينه وصاح بأعلى صوته(قتلت رستم ورب الكعبة) وهلل الجيش العربي الإسلامي بهذه البشرى فعمت الفوضى وانكسر الجيش الفارسي شر كسيرة واندحرت بقايا قواته بعد أن ذاع خبر مقتل قائده العام ولاذت بالفرار سباحة عبر نهر العتيق فأدرك الفرات بعضهم وغرق كثيرا منهم غير إن مجموعة من الجيش الفارسي دافعت عن رايتهم المعروفة بـ(درفش كافيان) وكانوا قد حفروا الخنادق حولها ودافعوا عنها بعناد وثبتوا حتى النهاية فقد حمل عليهم سلمان بن ربيعة الباهلي وتمكن من قتلهم واخذ الراية منهم , وقد اضطربت بعض المصادر حول تحديد هوية قاتل رستم من بين أربعة آخرين وربما إنهم استهدفوه جميعهم وسنذكر هنا ما قيل بصدد ذلك فقد ذكر البلاذري انه احد الأربعة الذين ساروا لأجل ذلك وهم عمرو بن معد يكرب الزبيدي , وطليحة بن خويلد , وضرار بن الازور الاسدي ,وقيس بن المكشوح المرادي الذي ادعى انه قاتل رستم وقد ورد بشعره لما قال/ـ
فلما أن رأيت الخيل جالت
قصدت لموقف الملك الهمام
فاضرب رأسه فهوى صريعا
بسيف لا افلّ ولا كهـام
وكما أسلفنا فقد صاح القعقاع بصوته منشدا ومترنما ببشائر ذلك النصر العربي الإسلامي الكبير الذي دخل التاريخ من واسع أبوابه بعد فشل كل المحاولات المستميتة التي بذلها الفرس قبيل النهاية لاستعادة مواضعهم وسد النقص الحاصل جرّاء المعركة الليلية الاستنزافية وبتلك التضحيات الجسام فقد بلغت خسائرهم بها نحو تسعون ألف وقيل مئة وعشرون ألف مقاتل لتستمر المعركة حتى النهاية بحصول القناعة إنها الساعات الحاسمة لتلك المعركة الضروس بيومها الثالث والأخير وقد ذهبت بعض الروايات إن مجمل تلك الخسائر الجسيمة قد بلغت نحو ثلاثمائة ألف قتيل مما استنزفته من خسائر جسيمة بواقعة وملحمة تاريخية كبرى سجل مجرياتها التاريخ وحفظها للأجيال.
مطاردة فلول الفرس
وإتمام تحرير العراق
بعد أن انتهت المعركة ولم يبقى للقوات الفارسية أي اثر وجهد يرى فقد أتى وقت الاستراحة لذلك الجيش المنتصر والذي أنهكه القتال المستمر فأوكل مطمئنا للنساء والصبيان بمهمة ميدانية هي تطهير الميدان من خلال معالجة وإخلاء جرحى المسلمين والإجهاز على الآخرين فتقدمن من منطقة العذيب التي كانت بمثابة القاطع الخلفي للمعركة نحو ميدان وموقع القادسية, وقد ورد إن أم كثير زوجة همام بن الحارث النخعي إنها قالت( شهدنا القادسية مع أزواجنا فلما أتانا إن قد فرغ من الناس أي الفرس شددنا علينا ثيابنا وأخذنا الهراوى أي العصي ثم أتينا القتلى والجرحى فمن كان من المسلمين سقيناه ورفعناه ومن كان من المشركين أجهزنا عليه وتبعنا الصبيان نوليّهم ذلك ونصرفّهم به).
أما فلول الفرس الهاربة التي تمكنت من عبور العتيق سباحة وغيرها التي عبرت من الردم الذي كان قد أحدثه رستم فقد سارت وتولى انسحابها الجالينوس بعد مقتل رستم ولم تفكر بان أحدا سيتبعها لكن القائد سعد بن أبي وقاص لم يضع الوقت فقد أمر القعقاع بمطاردة فلول الجيش الفارسي المنكسر فباشر بالمطاردة من فوره بفرقة كبيرة ثم أعقبه زهرة بن الحوية التميمي بفرقة أخرى فلاحقا فلول الفرس وأوقعا بهم خسائر جسيمة وفادحة أخرى وحدث ذلك بين القادسية والبرس أي الديوانية والحلة ولم يسمحا للقوات الفارسية بإعادة تنظيمها والتجمع وطارداها بحزم وتمكنوا من القضاء على حامية البرس الحلة ونصبوا جسرا على الفرات كي يعبروا إلى بابل منطقة الآثار العراقية التاريخية والتي دارت حولها معركة ضارية فقد كان الجالينوس يحاول عبثا صد ذلك الهجوم العربي الإسلامي الكاسح الذي جسدته قوات المطاردة البطلة التابعة للجيش العربي الإسلامي الجسور الذي انطلق يحمل بذرة ونشوة النصر الكاسح المتحصل بالإيمان على جنح حب الشهادة بالطاعة لله والذي حازه بين الأمم فكتب له أن يخط فيما بعد آثاره على ألواح القدر.
وقد تمكن البطل الجسور زهرة بن الحوية من قتل القائد البديل للجيش الفارسي المنكسر وهو الجالينوس فتشتت مرة أخرى فلول الفرس وبقتل الجالينوس وانهيار الجيش الفارسي لم يبقى لتحرير العراق كاملا سوى الاستمرار بمطاردتهم وطردهم حتى المدائن التي كانوا يتمركزون بها ويتخذونها عاصمة لهم على ارض العراق العربي, أما البلاذري فانه ذكر بان قاتل الجالينوس هو كثير بن شهاب الحارثي .


العراق عروبته اسلامه تحريره
معركة القادسية
تحرير المدائن


تحرير المدائن
بعد الهزيمة الكبيرة والكسيرة الذي حظي بها جيش الدولة الفارسية بالعراق في نيسان 637م بات من اللازم على الجيش العربي الإسلامي أن يستثمر عرى نصره للغاية التي أتى بها وهي استكمال مسعى تحرير العراق وهو المسعى الذي انطلق في عهد الخليفة أبى بكر وتم استكماله في عهد الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنهما وكما أسلفنا فان قوات المسلمين بقيادة القعقاع وزهرة بن الحوية كانت طاردت القوات الفارسية المتقهقرة حتى بابل وحدها ثم اشتبكت معها في معركة كبيرة جوار منطقة الآثار البابلية التاريخية في الحلة وبقيت ترابط هناك بعد تحرير برس وبقيت ترابط قوات القعقاع وزهرة في بابل إلى جانب القوات ألأخرى في الكوفة وفي الحيرة أما بقية الجيش فبقي في القادسية أي الديوانية اليوم ولم يتم المضي بمطاردة القوات الفارسية إلى العمق حتى طيسفون أي المدائن وذلك بسبب التضحيات الكبيرة التي قدمها الجيش العربي الإسلامي التي بلغت نحو ثمانية آلاف وخمسمائة شهيد إلى جانب نحو عشرة آلاف جريح ناهيك عن الإرهاق والضغط الحاصل جراء الاستمرار بالقتال وأيضا ضرورة إعادة التعبئة فالجيش الإسلامي الذي قوامه نحو ستة وثلاثين ألف مقاتل فقد قرابة ربعه في تلك المعركة الضروس ولكل تلك الأسباب مجتمعة ربما تكون المطاردة قد توقفت في منطقة بابل بعد الانتصار الأخير ومقتل الجالينوس القائد الفارسي البديل وتشتيت قواته وبعد مضي نحو شهرين من القادسية وقد تكون لأجل شفاء جرحى المسلمين من جراحهم وربما للحاجة الماسة إليهم قرر بعدها القائد سعد بن أبي وقاص الاستئذان من الخليفة للتقدم بالجيش نحو المدائن لتحريرها من الفرس وإذن له فقام بتعيين خالد بن عرفطة آمرا على المقدمة ولحقه بالقوات المتواجدة في بابل ثم قام بعدها بالتحرك بباقي الجيش وقد استمر بالتقدم حتى وصل بالجيش إلى بابل ومن هناك استمر الجيش بالتقدم والتحق بقطعات زهرة بن الحوية وخالد بن عرفطة التي أبلت بلاء حسنا .
فتح دير كعب
لم يبقى للفرس سوى محاولة صد الهجوم العربي الإسلامي من خلال إصدار الأوامر بالمقاومة حتى النهاية بغية الحفاظ على المدائن لذا فإنهم استماتوا في منطقة دير كعب لما جرت بها معركة كبيرة انتهت بمقتل القائد الفارسي النخير خان وانتصار المسلمين وأبيدت الحامية الفارسية وقد كان الذي تمكن من قتله هو الفارس العربي زهير بن سليم الازدي الذي قفز عليه من على ظهر فرسه وأسقطه على الأرض وتصارع معه واستل خنجرا كان يحمله النخير فقتله به .
فتح ساباط
اندفع الجيش العربي الإسلامي ساحقا أية مقاومة تعترضه في طريقه لتحرير المدائن حتى وصل إلى ساباط على ضفة دجلة اليمنى وهي إحدى مدن المدائن السبع على جانبي نهر دجلة وحصلت مقاومة من حاميتها ولكنها سرعان ما أبيدت وتم تحرير ساباط.
فتح رومية
بعد تحرير ساباط انطلق سعد بجيشه تجاه المدائن فوصل إلى رومية وهي إحدى مدن المدائن بعد ساباط فقبلت المدينة الصلح.
فتح بهرسير
عندما وصل الجيش الإسلامي إلى مدينة بهرسير قاومت خلف أسوارها التي كانت حصينة ورشقت حاميتها السهام والنبال على الجيش فاضطر سعد إلى حصارها ودام ذلك الحصار نحو تسعة اشهر وقد نصب حولها عشرون منجنيقا ترميها باستمرار حتى استسلمت وفر من تمكن من حاميتها إلى الجهة الثانية صوب المدائن حيث يقبع كسرى يزدجرد في الإيوان خلف آخر قواتهم وقد بهر المسلمون وهم ينظرون إلى ما واعدهم الحبيب المصطفى وهي مدينة المدائن تلك المدينة الضخمة على الجانب الآخر من النهر يتوسطها قصر كسرى المسمى ابيض المدائن فصاح ضرار بن الخطاب (الله اكبر هذا ما وعد الله ورسوله).
العراق عروبته إسلامه تحريره
معركة القادسية
اكتمال تحرير العراق
الفصل الاخير
العبور الاول
حين وصلت طلائع الجيش العربي الإسلامي إلى ساباط قام الفرس بإحراق الجسر المؤدي إلى المدائن والذي كان يربط بين ضفتي نهر دجلة وإخلاء كافة المعابر والزوارق في محاولة يائسة لإعاقة تقدم وعبور قوات المسلمين وقد كانت مياه دجلة وافرة وتشكل مانعا عسيرا واجتيازه خطورة كبيرة غير إن استسلام بهرسير في الجانب الغربي كان قد سهل العبور إلى قلب المدائن وقصرها الأبيض الواقع في الجانب الشرقي وتم اختيار منطقة العبور من قبل القائد سعد وهي جوار قرية الصيادين كما ذكر البلاذري وكان سعد قد نظّم كتيبتين خيالة هما الأهوال والخرساء وتلك هي الأسماء التي أطلقها عليها وكانت كل واحدة منهما تحوي ستمائة فارس وعين قائدا على الأولى عاصم بن عمرو التميمي وعلى الثانية القعقاع بن عمرو التميمي ثم أوعز أن تتحرك للعبور بصمت خوضا وسباحة كلا الكتيبتين عند الفجر وان تتولى كلتاهما إعادة المعابر والزوارق في الضفة الثانية إلى جانب حماية باقي القطعات العربية الإسلامية المستعدة للعبور في حال وصولها وقد ألقى سعد خطابا لإثارة حماسة الجند قال فيه(إن عدوكم قد اعتصم منكم بهذا البحر فلا تخلصون إليه منه, وهم يخلصون إليكم إذا شاءوا, فيناوشونكم في سفنهم وليس وراءكم شيء تخافون أن تؤتوا منه, فقد كفاكموهم أهل الأيام وعطلوا ثغورهم وافنوا, ذاتهم أي حامياتهم,وقد رأيت من الرأي أن تبادروا جهاد عدوكم بنياتكم قبل أن تحصركم الدنيا إلا إني قد عزمت على قطع هذا البحر إليهم ,أي عبوره,) وهنا هتف المسلمون(عزم الله لنا ولك على الرشد فافعل).
العبورالاول
عند الفجر باشر قائد كتيبة الأهوال عاصم بن عمرو بتنفيذ الواجب الموكل لكتيبته فقرر أن يبدأ بالعبور بنفسه أولا ثم اختار معه ستين فارسا بالتطوع ليكونوا في صدارة عملية العبور على أن تتبعها بقية الكتيبة كما بلغ باستخدام الرماح عند العبور وخلاله كسلاح مناوشة على البعد وقد أثار حماسة كتيبته لما قال(أتخافون من هذه المنطقة ثم تلا قوله تعالى من سورة آل عمران, وما كان لنفس أن تموت إلاّ بإذن الله كتبا مؤجلا) ثم لكز فرسه فقفزت وسيط المياه وشقت عباب الموج الهائج والهادر وتبعه بذلك الستون فارسا فتشجع باقي فرسان الكتيبة ولحقوا بأصحابهم وتعجب الفرس في الجانب الآخر من النهر وصاحوا إنهم مجانين لما ذهلوا من الموقف فصاح احدهم( إنكم والله ما تقاتلون إنساّ بل تقاتلون جِنّا).
ثم أردفت كتيبة الخرساء وكان في مقدمتها قائدها المغوار القعقاع بن عمرو وعبرت الكتيبة بشجاعة نظيرتها وسيط متابعة القائد الذي لحظ احد جنوده وقد سقط في الماء فهرع إليه وجره من يده وسحبه من النهر وعبر به فقال ذلك الجندي(أعجزت الأخوات إن يلدن مثلك يا قعقاع) ثم اكتمل عبور الكتيبتين بسلام ونجاح.
وقد حاول الفرس إعاقة عملية العبور إلى المدائن لما بعث القائد الفارسي بقطعات الخيالة لمواجهة المسلمين قبل ن يخرجوا من النهر لكن عاصم بن عمرو قائد كتيبة الأهوال تنبه لذلك فصاح بجنده ( الرماح ,الرماح,أشرعوها وتوخوا العيون) ويقصد استهداف أعين خيول الأعداء لإرباك موقفهم وتم ذلك بالفعل وحدثت معركة جرى فيها ما كان لازما وجفلت خيول الأعداء واجبروا على التراجع من ضفة النهر وفروا وتركوا مواقعهم وفشلت محاولة الفرس بتعويق الهجوم ونجح عبور جميع مقاتلي كتيبتي جيش المسلمين ولم يصب منهم سوى فارس واحد هو سليل بن يزيد بن مالك السنبسي ثم سرعان ما تم جمع كافة الزوارق والمعابر من قبل فرسان كتيبتي عملية العبور وأعيدت إلى الضفة الأخرى ليتم عبور جميع المقاتلين بالجيش إلى جهة المدائن وقصر كسرى وكان كسرى ملك الفرس قد ترك المدائن وفر هاربا .
عبور الجيش
وبعد نجاح العبور الأول أمر القائد سعد بن أبي وقاص جيشه بالعبور فنزلوا كالرعد حتى لم يعد يرى من الماء شيئا سوى الخيل والرجال وكان سعد يرقب ذلك وجواره الصحابي الجليل سلمان الفارسي رضي الله عنهما فقال سعد (حسبنا الله ونعم الوكيل والله لينصرن الله وليه وليظهرن دينه وليهزمن الله عدوه إن لم يكن في الجيش بغي أو ذنوب تغلب الحسنات) فقال له سلمان(ذللت لهم والله البحور كما ذللّ لهم البر أما والذي نفس سلمان بيده ليخرجن منه أفواجا كما دخلوا أفواجا) وفعلا خرج الجيش بأكمله ولم يغرق منه احد وجرى نقل الباقين في الزوارق.
فتح المدائن
كانت المدائن تسمى بالفارسية طيسفون أو توسفيون أو قطيسفون أو طيسبون وهي سبع مدن على جانبي الفرات كانت أبرزها الأخيرة تلك التي بها قصر كسرى وبعد القتال على ضفة النهر لم يلقى المسلمون مقاومة تذكر فقد تقدم الجيش العربي الإسلامي بقيادة سعد بن أبي وقاص داخل المدائن فوجدوا المدينة شبه خاليه عدا بعض الفلول التي تحصنت بقصر المدائن القصر الأبيض أو ابيض المدائن كما اسماه العرب ثم سرعان ما فتحت أبواب القصر وأذعنت حامية المدينة للصلح وانتهى أمرهم وسار سعد وسلمان الفارسي والقعقاع وعاصم وباقي القادة من الصحابة رضوان الله عليهم إلى داخل القصر والإيوان وتلى سعد من سورة الدخان(بسم الله الرحمن الرحيم كم تركوا من جنات وعيون وزرع ومقام كريم ونعمة كانوا فيها فاكهين كذلك وأورثناها قوما آخرين فما بكت عليهم السماء والأرض وما كانوا منظرين. صدق الله العظيم) وقد وصف ابن كثير في كتابه البداية والنهاية ذلك المشهد الكبير منبهرا فيه فقال( وكان يوما عظيما وأمرا هائلا وخطبا جليلا وخارقا باهرا ومعجزة لرسول الله صلى الله عليه وسلم خلقها الله لأصحابه لم ير مثلها في تلك البلاد ولا في بقعة من البقاع).
وغنم المسلمون غنائم كبيرة هائلة وزعت على الجيش وأرسل بالخمس منها إلى الخليفة عمر رضي الله عنه في المدينة مع القائد بشير بن الخصاصية وقد دهش الخليفة لكثرة الغنائم فقال لمن حوله من الصحابة رضوان الله عليهم (إن قوما أدّوا هذا لأمناء) فقال له الإمام علي رضي الله عنه بشهادة حقّة ومنصفة لصاحبه الخليفة الفاروق (انك عففت فعفّت رعيتك ولو رتعت لرتعت) ثم قسم الخليفة الغنائم بين الناس وقد كان بين الغنائم بساط لكسرى وهو مرصع بالذهب والجواهر وكان حجمه كبيرا وقد بعث به القائد سعد بعد أن استأذن أصحابه لما قال لهم( هل تطيب أنفسكم عن أربعة أخماس هذا البساط فنبعث به إلى عمر يضعه حيث يشاء فانا لا أراه ينقسم وهو بيننا قليل وهو يقع من أهل المدينة موقعا) ولما رآها عمر رضي الله عنه قال لصحبه (أشيروا عليّ في هذا القطيف) فقالوا له الرأي رأيك فقد جعل لك وقال بعضهم انه لأمير المؤمنين لا يشاركه فيه احد ولكنه رفض كل ذلك فقال الإمام علي كرّم الله وجهه ورضي عنه في شهادة أخرى للفاروق(لم يجعل الله علمك جهلا ويقينك شكّا انه ليس لك من الدنيا إلا ما أعطيت فأمضيت أو لبست فأبليت أو أكلت فأفنيت وانك إن تبقه اليوم على هذا لم تعدم في غدٍ من يستحق به ما ليس له) فقال عمر (صدقتني ونصحتني) وأمر بتوزيعه كله بين الناس .
وبعد أن تم تحرير المدائن انطلق منها القائد سعد بن أبي وقاص راجعا إلى الحيرة بعد أن عين واليا وعاملا عليها الصحابي شرحبيل بن السمط وقد أعقبه الصحابي الجليل سلمان الفارسي في عهد الخليفة عثمان رضي الله عنه وكان أول قاضي عين بها هو سلمان بن ربيعة الباهلي الملقب بسلمان الخيل ولاه الفاروق رضي الله عنه.
أما عن كسرى ملك الفرس فقد لاذ بالفرار إلى ما بعد جلولاء في حلوان قصر شيرين وترك قوات علها تفلح في إعاقة الهجوم الكاسح ولكن هيهات فلم تصمد وقد انسحب يزدجرد إلى حلوان وهي قصر شيرين اليوم قرب سلسلة جبال زاكروس لكن التمترس كان في جلولاء كموقع دفاعي خارج إيران أملا في إيقاف الهجوم على بلادهم وكان قائد الجيش الفارسي هو مهران الذي قام بتحصين المدينة على عجل وحفر خندقا أمامها عله يفلح في إعاقة تقدم الجيش العربي الإسلامي .
حصار جلولاء ومعركتها
بعد تحرير المدائن وفرار الفرس إلى جهة إيران أصدر القائد سعد أمرا إلى هاشم بن عتبة وقواته بالتقدم إلى جلولاء للحاق الفرس ومطاردتهم ووضع بإمرته جيشا بتعداد اثني عشر ألف مقاتل وقد بين البلاذري بان سعد لم يمكث بالمدائن إلا أياما وكان هو الذي دفع بالجيش نحو جلولاء لكن الإمام الطبري ذكر بان ذلك كان بأمر الخليفة عمر بن الخطاب وبينه بجلاء لما قال (سرّح هاشم بن عتبة إلى جلولاء في اثني عشر ألفا واجعل على مقدمته القعقاع بن عمرو وعلى ميمنته مسعود بن مالك بن عتبة واجعل على ساقته عمرو بن مرة الجهني) واحسب إن ذلك هو الأقرب للدقة فحركة الجيش لم تكن لتحصل إلا بأمر من الخليفة كما إن البلاذري يخالف الطبري أيضا في شخوص جيش المطاردة وان قائد الفرس هو خرّزاد اخو رستم في عمومه تقدمت القوات العربية الإسلامية صوب جلولاء ولما وصلوا قربها وجدوا قوات فارسية مرابطة لتعويق التقدم إلى جلولاء فدرات بينهم معركة كبرى في الخامس من تموز من عام 638م وقد انتصر بها المسلمون بعد أن حاصروا حامية جلولاء داخل أسوارها لثمانين يوما بدأ من الخامس عشر من نيسان 638م وكان مهران القائد الفارسي قد قرر أن يبادر بالخروج بقواته للقتال بعد هذه المدة فأوعز بالهجوم على العرب فدارت معركة ضارية كان النصر في نهايتها للمسلمين وكان دور القعقاع وكتيبته بارزا كما في كل مرة فقد حصل قتال شديد يذكره البلاذري ( فاقتتلوا قتالا شديدا لم يقتتلوا مثله رميا بالنبل وطعنا بالرماح حتى تقصفت وتجالدوا بالسيوف حتى انثنت) أما الإمام الطبري فانه يذكر( بأن مهران هاجم المسلمين بعنف فخطب في رجاله هاشم بن عتبة قائلا( ابلوا في الله بلاء حسنا يتم عليكم الأجر والمغنم واعملوا لله) أما ابن كثير فقد وصف المشهد الحاسم كما بين دور القعقاع بإثارة الحماس وذكر (فاقتتلوا قتالا شديدا لم يعهد مثله حتى فنى النشاب بين الطرفين وتقصفت الرماح مع هؤلاء وهؤلاء وصاروا إلى السيوف والطربزينات أي الفؤوس وحانت صلاة الظهر فصلى المسلمون ايماءً وذهبت فرقة من المجوس وجاءت أخرى مكانها فقام القعقاع بن عمرو وصاح بالمسلمين قائلا( أهالكم ما رأيتم أيها المسلمون) قالوا نعم إنّا كالّون وهم مريحون فقال(بل إنّا حاملون عليهم ومجدّون في طلبهم حتى يحكم الله بيننا فاحملوا عليهم حملة رجل واحد حتى نخالطهم) وحاول القعقاع أن يجتاز الخندق الذي ضرب حول المدينة بحلول الظلام وقد كان القتال موشك بان ينتهي لكنه فكر بخدعة فأوعز إلى جنده بان يذيعوا في الجيش بان القائد عتبة قد اجتاز الخندق لكي يثير حماسة وحمية أولئك الجند لإنقاذ قائدهم فقال( يا معشر المسلمين هذا أميركم قد دخل الخندق واخذ به فاقبلوا إليه ولا يمنعكم من بينكم وبينه من دخول ) وكان الخندق قد فرش بمسامير الحديد الشوكية التي تنبت في حوافر الخيول لتعيق الحركة لكن حيلة القعقاع نجحت ثارت حماسة الجند وحملوا حملة صادقة وقاتلوا بعنف فلما وصلوا لم يجدا هاشما وإنما وجدوا القعقاع قد احتل قسما منه وتمكن من القضاء على الفرس قرب احد الأبواب بعد حوصروا بين الخندق والباب ثم انتصر المسلمون وكبدوا الفرس خسائرا كبيرة ووصفت تلك المعركة بأنها لاتقل أهمية عن القادسية.
معركة خانقين
استمر القعقاع وقواته بمطاردة فلول الجيش الفارسي المندحر ولم يعطهم الفرصة بتجميع قواهم فتقدم إلى خانقين حيث كان الفرس قد أقاموا موضعا آخر عله يفلح في إعاقة تقدم الجيش العربي الإسلامي صوب حلوان قصر شيرين إلا إن القعقاع استمر باندفاعه وإصراره وباشر هجومه على المواضع حول خانقين ثم تقدم وخاض معركة شديدة أخرى تمكن فيها من إجبار الحامية الفارسية على التخلي والتراجع عن خانقين والفرار خارجها بعد أن كبدها خسائر كبيرة فدخل الجيش الإسلامي خانقين منتصرا ومحررا كما دخل كل المدن العراقية الأخرى .

معركة حلوان
لم تتوقف مطاردة القعقاع عند هذا الحد مطلقا بل انه استمر بالمطاردة لفلول الفرس ولم يضع الوقت بعد الانتصار في خانقين بل اندفع صوب حلوان في داخل إيران وكان يعتقد إن كسرى لما يزل فيها لكن كسرى كان قد ترك حلوان وفر إلى داخل إيران في الريّ أي طهران فقرر القعقاع أن يقضي على حامية حلوان حتى لا يعود الفرس إلى جلولاء بعدها وكان القعقاع قائدا جسورا شجاعا حد التهور أحيانا فقام بهجومه على حلوان وقضى على حاميتها وانتصر ولاذ فلول الفرس من أمامه بالفرار , وقد كان لإصرار وبطولة القعقاع دورا كبيرا ومن هذا وغيره خاصة بمسعى تحرير العراق يتضح السبب الرئيس وراء الحقد على هذا الرجل لدوره البارز في إدارة دفة المواقف الحاسمة منذ معركة القادسية وحتى اللحظة الأخيرة بمطاردة الفرس خارج العراق.
معركة قرماسين كرمنشاه
بعد التقدم الذي أحرزه القعقاع وأخبار انتصاراته بالمطاردة أوعز القائد هاشم بن عتبة إلى القوات المرابطة في جلولاء وهي الكتيبة البجلية بالتقدم إلى قرماسين بقيادة جرير بن عبد الله البجلي وبحركة ناجحة أطبقت القوة المتقدمة على حامية كرمنشاه ولم تتمكن من الدفاع عن نفسها فاستسلمت ورضخت للصلح.
نهاية الإمبراطورية الفارسية
توقف المطاردة واستئنافها
بعد الانتصارات والتقدم الخاطف الذي حققته القوات الإسلامية في داخل إيران كتب القائد سعد بن أبي وقاص إلى الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه يستأذنه باستئناف التقدم ومطاردة فلول الجيش الفارسي المندحر داخل بلاد فارس إلا إن الخليفة لم يوافق بالمضي بتلك المطاردة واجتهد لإيقافها حرصا لحقن الدماء وحفظا للسلام وسلامة أنفس المسلمين وهي عنده على من الغنائم والانتصارات وكان أمره بإيقاف التقدم هو(وددتُ لو إن بين السواد أي العراق والجبل سدا لا يخلصون إلينا ولا نخلص إليهم حسبنا من الريف السواد إني آثرت سلامة المسلمين على الأنفال ) إلا انه اضطر فيما بعد لان يأمر باستئناف التقدم والدخول بالحرب بمعركة أخرى كلفت المسلمين خسائر كبيرة وهائلة غير إنها أنهت الإمبراطورية الفارسية وقضت عليها بمعركة نهاوند همدان التي استشهد فيها القائد النعمان بن مقرن المزني .
العبرة والخلاصة من مسعى تحرير العراق
لما استكمل المسعى المشّرف لتحرير العراق ونال نصرة الله على جنح التضحيات الجسام لإخواننا المؤمنين من ارتال الصحابة الاكارم الذين جادوا بأرواحهم الزكية لأجل تحقيق مسعى نبيل يهم صالح الأمة وقد بدأت بوادره منذ بواشير لقاء الوفد العراقي الذي زار الرسول محمد صلى الله عليه وسلم وشرح معاناة شعبه الرازح تحت نير الظلم فبشر الحبيب بانطلاقته ونصرة الأمة فيه فانطلق بعهد الخليفة أبى بكر رضي الله عنه واستكمل واستأنف بعهد الفاروق الذي تكفل به ورعاه حتى عاد العراق إلى حاضنته العربية متشرفا ومزهوا بالإسلام فحلَّ من الأمة العربية والإسلامية موضع الرأس من الجسد كما عينه الفاروق رضي الله عنه حين قال العراق جمجمة العرب أي راس الجسد العربي وأنى لجسد أن يستمر ويحيا بفقدان رأسه وهذه امتنا تتهاوى وتحف بها الأخطار وتحالفات الأعداء المتكالبين وقد حذر المصطفى من سبل التداعي على امتنا بسبب وهننا رغم كثرتنا فلا كرامة للأمة ولا كيان ولا بقاء لها ما لم تستطع الحفاظ على العراق الذي دفعت لاجل تحريره كل تلك التضحيات الجسام التي لن تذهب سدى ما أن يسترجع العراق وحتى يعود الرأس لجسد امتنا فتعود مصانة قوية مهابة لتسترجع هيبتها بين الأمم وتأتي بأكثر من صلاح الدين يسترجعون أقداسنا وينتخون لباقي أوصال امتنا الإسلامية الجريحة في عموم أرجائها.
الخاتمة
وجب أن لا نفقد وأجيالنا الأمل رغم اضطراد وتزايد الظلم والاستقواء والحيف علينا فان الأمل لمعقود بنواصي المآب والعودة إلى النبع لما نصلح أنفسنا فنقترب من نهج أناس صدقوا مع الله وبذلوا أنفسهم متشرفين للقاء ربهم بأنبل فداء فمكنهم من تحرير العراق ونصرهم على أعدائهم رغم قلتهم ورغم الفارق الكبير بين عديدهم فدعونا لاننسى إن ذلك مؤملا وممكنا متاحا ما إن عدنا لما يقربنا من نهج أسلافنا وانتهلنا من ذلك النبع.
اللهم وفق أخيار امتنا لما تراه خيرا لها ولنا.
الإهداء
أما والله فاني كتبته كلمة كلمة وحرفا حرفا لأهديه إلى أرواح الشهداء الزكية من غيارا المسلمين والى جناب والدي وأولادي والى كل أحرار أمتي الإسلامية وحرائرها الغيارى من المتابعين لهذا الشأن والى الأجيال كي لا يفقدوا الأمل يوما بعودة العراق.
المصادر
1/تاريخ الأمم والملوك/الطبري 11/أسد الغابة/بن الأثير
2/سيرة بن هشام/بن هشام 12/المعارف بن قتيبة
3/فتوح البلدان/ البلاذري 13/تاريخ العرب قبل
4/تاريخ عمر بن الخطاب/ابن الجوزي الإسلام /جرجي زيدان
5/تجارب الأمم ج1/ بن مسكويه 14/الفتح العربي للعراق
6/الكامل/ بن الأثير وفارس /محمد فرج
7/فتوح الشام/الواقدي 15/المثنى بن حارثة/
8/مروج الذهب/المسعودي محمد فرج
9/معجم البلدان/ياقوت الحموي 16/معارك العرب الحاسمة/
10/البداية والنهاية/بن كثير صبحي عبد الحميد
17/الفاروق عمر/محمد حسنين هيكل 21/القيادة الناجحة/صالح
18/الصديق أبو بكر/= = = مهدي عماش
19/الفتوحات الإسلامية/ احمد بن دحلان22/من ذي قار إلى
20/قادة فتح العراق/محمود شيت خطاب القادسية/= = =


العراق عروبته اسلامه تحريره
معركة البويب


بعد النصر الكاسح الذي تحقق للقوات العربية الإسلامية بالعراق على القوات الفارسية التي كانت تطاردها وانقلب الموقف على الفرس حينما جرهم القائد الفذ المثنى بن حارثة الشيباني إلى مكيدة عسكرية عبر خطة محكمة خططها بنفسه عندما قاتلهم على راس الخيالة العربية فانزل بهم هزيمة مذهلة وقد حلّت بهم خسائرفادحة حتى إن المثنى وقواتهتمكنوامن أسرالقائدين الفارسيين بنفسيهما وهماجابان ومردنشاه فانكسرجيشيهما وقدلاذ الفرس بالفراركونهم لم يتصوروابان المثنى سيقدرعلى فعل كهذا بعدما جرى لقواته في واقعة الجسروقدأمرالمثنى بإعدام القائدين الفارسيين اللذين قاداالهجوم فضربت أعناقهما وبعدأن تحقق ذلك النصرالجديد قويت معنويات البقيةالباقية من الجيش العربيلتحريرالعراق ثمكان لتأثير أصداء أخبار ذلك النصر وقعا كبيرا على معنويات العرب والمسلمين في عموم جزيرةالعرب فاستغل المثنى الفرصة والموقف خير استغلال فباشر بإجراء اتصالاته مع القبائل العربية النصرانية وقد تقدم في البحث تفصيل عن دورهم المشرف الذي بدا يترك لمساته باديا في ذلك الموقف العصيب للعراق فاتصل المثنى بقبائل تغلب واياد والنمر ثم تحول إلى مناطق شمالي الفرات قرب مرج السباخ ليدعوا مزيدا من قبائل العرب النصرانية للانضمام إلى جيشه فاستثار نخوتهم العربية ودعاهم للانضمام إليه بعد أن بين لهم بان المعركة القادمة هي معركة العرب كلهم ضد الفرس محتلي البلاد وسرعان ما اجتمع تحت قيادة المثنى بذلك الإعداد والاستجابة الطيبة جيشا اكبر وافضل بعداده وتنظيمه الجيش الذي تضرر بمعركة الجسر وقد انضم إليه انس بن هلال النمري كبير قبيلة النمر العربية إضافة لعبد الله بن كليب التغلبي كبير قبيلة تغلب العربية والذي كان يدعى مردي الفهر إضافة إلى أبى زبيد الطائي كبير قبيلة طي العربية والذي كان قد شارك بمعركة الجسر مع المثنى وكلهم من نصارى عرب العراق وقد توفي أبى زبيد فيما بعد في خلافة سيدنا عثمان رضي الله عنه وقيل انه عمّر طويلا وانه لم يسلم .

هذا ما كان من حال المثنى والقوات العربية بالعراق أما الخليفة عمر رضي الله عنه فقد ألحَّ على القبائل العربية أن تتحرك لنجدة المثنى وحثهم كثيرا بآيات الجهاد بعد أن وصلته رسالة المثنى مع عروة بن زيد الخيل ذلك القائد الذي أبلى خير بلاء في معركة الجسر غير إن الحال لم يكن مرضيا فان أفراد القبائل العربية لم يرغبوا بالاستجابة حيث انهم كانوا يفضلون المسير إلى الشام حتى إن جرير بن عبد الله البجلي كبير بجيلة رفض طلب الخليفة عندما قال له(اخرج حتى تلحق بالمثنى)فقال بل الشام فان أسلافنا بها فقال له الفاروق (بل العراق فان الشام في كفاية) فأراد الخليفة أن يغريهم بالمال بعد أن تأخر الأمر والوقت حرج فقال لجرير البجلي ( هل لك في العراق وأنفلك الثلث بعد الخمس) فقال جرير نعم ووافق على أن يأخذ ثلث الغنائم زيادة فوق نصيبه الاعتيادي منها ثم اقنع الخليفة باقي القبائل بنفس الطريقة فاقتنع الازد وكنانة وبني ضبة وبني حنظلة فقد أراد منهم أن يعدلوا عن الرغبة بالتوجه للشام فقال لهم ليدفعهم صوب تحرير العراق (ذلك أمر كفيتموه فاستقبلوا جهاد قوم حووا فنون العيش لعل الله أن يورثكم قسطكم من ذلك فتعيشوا مع من عاش من الناس) فوافق الجميع ولبوا دعوة الفاروق وخرجوا إلى العراق بنحو خمس تشكيلات من الذين تقدم ذكرهم .
التحرك إلى البويب

وصلت الأخبار إلى المثنى بان القوات العربية الإسلامية قد توجهت إلى العراق غير انه لم يعد يملك الوقت فقد أحس بزحف الفرس نحو البويب وهو نهر يخرج من الفرات ليصب في منخفض صحراوي غربي النخيلة أو ديرهند وهي الكوفة فيما بعد والتي بنيت في عين مكان الميدان الذي جرت به تلك المعركة وكان الجيش الفارسي قد تحرك تحت قيادة القائد الفارسي مهران فقام المثنى من فوره ببعث رسالة مستعجلة إلى جرير البجلي ليخبره بأنه سيتحرك وليستعجله بالحركة إليه وكان فحوى الرسالة(إنا جاءنا أمر لم نستطع معه المقام حتى تقدموا علينا فعجلوا اللحاق بنا وموعدكم البويب) .
استعدادات المعركة

القوات الفارسية

تذكر غالب كتب التاريخ عن المؤرخين بان الفرس قد جهزوا لتلك المعركة جيشا كبيرا قوامه نحو مائة ألف مقاتل وتحت قيادة القائد مهران كما تقدم وقد أوكل إلى ذلك الجيش مهمة القضاء على القوات العربية في البويب فتقدم مهران بجيشه من المدائن حتى منطقة على ضفة الفرات يقال لها بسوس وموقعها قبالة البويب الكوفة الحالية وقد تحشد بقواته هناك وقسم جيشه إلى ثلاثة تشكيلات يتقدم كل منها أعداد من الفيلة كما جرت العادة عند الجيش الفارسي.

القوات العربية

وقد تحشد المثنى في موضع دير هند على نهر البويب أي في منطقة الكوفة الحالية وكانت قواته نحو اثنا عشر ألف مقاتل فقط وقد رتب قواته للسيطرة على الموقف بموجب ما درجوا عليه من حركة خاطفة وكانت معنوياتهم مرتفعة بموجب ما حصلوا عليه من نصر الملاحقة السابق وقد قال المثنى(أكدّ مهران وهلك ونزل منزلا هو البسوس) ووزع قادته وقواته

فكان هو قائدا للقلب وبشير بن الخصاصية قائدا للميمنة وبسر بن أبي رهم قائدا للميسرة واخويه كل من المعنى قائدا للخيالة ومسعود قائدا للمشاة والنسير بن ديسم بن ثور قائدا للمقدمة ومذعور العجلي قائدا للدرء أي قوات الاحتياط.

خطة المثنى للمعركة

بعد أن وضع المثنى خطة الحرب واعدها لتلك المعركة واختار لها ساعة الصفر التي تبدأ بالتكبيرة الرابعة وبعد ثلاث تكبيرات يقوم بها فقد قال لجنده ( أني مكبر ثلاثا فتهيئوا ثم احملوا الرابعة) وقد ركب على فرسه الشموس ودار بين قواته يحرضهم على القتال ويذكرهم بأيام العرب وبما اعد الله للشهداء من فسيح جناته فقال لهم( أني لأرجوا ألاّ تؤتى العرب اليوم قبلكم والله ما يسرني اليوم لنفسي شيء إلا وهو يسرني لعامتكم) فقوبل بالهتاف والحماس فأمر رجاله بالإفطار وبعد أن وزع قواته اصبح على أتم الاستعداد للمعركة مع الفرس وكان القائد الفارسي مهران قد بعث برسالة إلى المثنى ,مثلما بعث من قبل بهمن جاذويه ذو الحاجب إلى القائد أبى عبيد رحمه الله في معركة الجسر, وقد تضمنت أما أن تعبروا إلينا وأما أن نعبر إليكم فأجاب المثنى بل اعبروا إلينا فعبر الفرس بثلاثة أرتال تتقدمها الفيلة كما أشرنا من قبل وقد عبر الجيش الفارسي على أنغام قرع الطبول بضوضاء صاخبة كان القصد منها التأثير على معنويات العرب فقال المثنى لقواته (إن الذي تسمعون فشل فالزموا الصمت وأتمروا همسا) ثم توقف الجيش الفارسي عند دير الأعور.



واقعة البوَيب

المعركة



لقد حدثت تلك المعركة التاريخية في رمضان من العام الرابع عشر للهجرة والموافق لتشرين الثاني سنة 635م عندما وضع القائد العربي المثنى بن حارثة الشيباني خطته للمعركة التي تبدأ عند التكبيرة الرابعة كان قد أشار على قواته بالإفطار كي يتمكنوا من القتال على احسن وجه ويكونوا كفأً لقتال خصومهم الفرس فقال( أيها الناس إنكم صوّام والصوم مَرَقّة ومَضعَفة وإني أرى من الرأي أن تفطروا فتقووا بالطعام على عدوكم) فقام الجند بالإفطار وتهيئوا للقتال وقرعت طبول الحرب ولما اكمل المثنى تكبيرته الرابعة أدرك الفرس بان هجوم العرب وشيك فهجموا أيضا وتلاقى الجمعان وجرت معركة دامية تحمل كل معاني الثبات والتضحية لأنها كانت هامة وحرجة بتلك الصفحة من صفحات تحرير العراق لان العرب كانوا يريدون الثأر بعد معركة الجسر بينما الفرس يريدون الحفاظ على عرى نصرهم بتلك الواقعة وكانت كتيبة بني عجل في المقدمة وقد اثر التركيز عليها بالهجوم المدجج بالفيلة فأجبرت على التراجع ولما شاهد المثنى ذلك التراجع لم يرتضي ذلك من بني عجل وأرسل إليهم يأمرهم بالثبات قائلا( إن الأمير يقرئكم السلام ويقول لكم لا تفضحوا المسلمين اليوم) فلبى بنو عجل الأبطال الغيارى أمر قائدهم وثبتوا وقاتلوا مع إخوانهم ببسالة كبرى وكان المثنى يقاتل كالأسد ويدور على جنده يوجه بالقتال ثم فكر بوجوب القضاء على قائد الفرس فدعا إليه انس بن هلال النمري النصراني وكان النصارى من عرب العراق قد شاركوا بالقتال كما تقدم فقال له ( يا انس انك امرؤ عربي وان لم تكن على ديننا فإذا رأيتني حملت على مهران فاحمل معي) فوافق انس على الأمر ومعه رجل آخر وقال هذا لمردي الفهر النصراني فهجم المثنى ومعه الاثنان وتقدم صوب الميمنة حيث كان مهران فاندفع بفرسه الشموس إليه ورمحه بين إذنيها واخترق الصفوف وتوغل في ميمنة الفرس بشجاعة بالغة حتى وصل إلى مهران وتمكن من قتله بحسب رواية ابن حزم ,فلما شاهد الفرس مقتل قائدهم انهارت معنوياتهم وتخلخلت صفوفهم وتراجعوا إلى الجسر بغية الهرب فهتف المثنى في جنوده يستحثهم للتقدم ( عاداتكم من أمثالكم انصروا الله ينصركم) وأمر الاحتياط بالاشتراك في الهجوم الشامل النهائي لحسم تلك المعركة الهامة الفاصلة .
وقد أصيب قائد الراجلة مسعود شقيق المثنى إصابة بالغة لكنه كان شجاعا مقداما كان يأمر جنده من قبل أن يصاب بان لا يلتفتوا إن أصيب هو أو أحد من أشقائه أو أي من القادة بل يركزوا على الثبات ولما أصيب تلك الإصابة القاتلة قاللجنده ( يا معشر بكر بن وائل ارفعوا راياتكم يرفعكم الله لا يهولنّكم مصرعي) وهنا يجب التوقف عند عبارة ذلك البطل الشجاع التي تعكس مدى إيثاره للجهاد وحب الآخرة على حب الدنيا من خلال تجاوزه لحاله وجرحه وحرصه وهو بهذه الحال على صالح المعركة والجيش حتى وهو يفارق الحياة حيث يشعر السامع وكأنه يتحدث عن مصاب شخص آخر وليس عن نفسه ذاتها انه حقا يستحق التقدير والمجد ولم يتغير الموقف مطلقا مع البطل الأكبر القائد العام المثنى الذي لما علم باستشهاد شقيقه تجاوز على عجل مشاعر حزنه على فقد شقيقه وصاح في الجيش بأعلى صوته (يا معشر المسلمين لا يرعكم مصرع أخي فان مصارع خياركم هكذا) ليثبت بإيثار آخر ما غرسه وأرساه شقيقه في أعماق معنويات جنده ثم انصرف المثنى ليقطع خطة انسحاب الفرس حين لاحظ انهم يرومون الهرب من الجسر فسارع للسيطرة على منطقة راس الجسر فحوصر بذلك الجيش الفارسي بين سندان القوات العربية المهاجمة ومطرقة قوات المثنى المتواجدة على مقدمة الجسر فأبيد غالب الجيش الفارسي الذي استبسل لما اضطر للقتال بتلك المحاصرة حتى قد كثرت التضحيات بين الطرفين وقدرت أعداد قتلى الفرس لوحدهم بما يزيد على المائة ألف مقاتل ومهما حاولنا إغفال عنصر المبالغة إلا إن الأعداد ستبقى كبيرة كذلك بالنسبة للجيش العربي الإسلامي وذلك بادٍ في أخبار التاريخ من خلال ندم المثنى وأسفه على تقديم التضحيات فيما بعد حول إقدامه على محاصرة الفرس وإرغامهم على القتال بتلك الكيفية عندما قطع عليهم طريق الانسحاب والتراجع إلى الخلف بعد تقهقرهم ومقتل قائدهم فقد قال المثنى عن ذلك الأمر(لقد عجزت عجزة وقى الله شرها بمسابقتي إياهم إلى الجسر حتى أحرجتهم فاني غير عائد فلا تعودوا ولا تقتدوا بي أيها الناس فإنها كانت زلّة مني لا ينبغي إحراج أحد إلا من لا يقوى على امتناع) وقد رثى المثنى القتلى ومنهم انس بن هلال النصراني وشقيقه مسعود ابن حارثة الشيباني وخالد بن هلال النصراني فقال(والله ليهون علي وجدي أن شهدوا البويب اقدموا وصبروا ولم يجزعوا ولم ينكلوا وفي الشهادة كفارة)كما قد وصف جنود الفرس فقال ( قاتلت العرب والعجم في الجاهلية والإسلام والله لمائة من العجم في الجاهلية كانوا اشد على ألف من العرب ولمائة من العرب اليوم اشد على ألف من العجم إن الله أذهب بأسهم وأوهن كيدهم فلا يروعنكم زهاء ترونه ولا سواد ولا قسي فج ولا نبال طوال فانهم إذا اعجلوا عنها أو فقدوها كالبهائم أينما وجهتموها اتجهت) وقد كان ممن أبلى في تلك المعركة بلاء حسنا أبطالا هم قرط ابن جماح العبدي الذي قاتل بسيفه حتى انثنى وشرحبيل بن السمط وسنبين أدناه ما قد قاله في ذلك الانتصار في واقعة النخيلة أو البويب فيما قال الفارس والشاعر العربي الطائي الشهير عروة بن زيد الخيل الذي كما هو معلوم انه قد عمر طويلا حتى شهد صفين مع الإمام علي رضي الله عنه وأرضاه
هاجت لعروة دار الحي أحزانا *** واستبدلت بعد عبد القيس همدانا
وقد أرانا بها والشمل مجتمـع *** إذ بالنخيلة قتلى جند مهرانــا
أيام سـار المثنى بالجنود لهـم *** فقتل القوم من رجُلٌ وركبانــا
سما لأجناد مهران وشيعتــه ***حتى أبادهم مثنى ووحدانــا
ما إن رأينا أميرا بالعراق مضى *** مثل المثنى الذي من آل شيبانـا
إن المثنى الأمير القرم لا كذب *** في الحرب أشجع من ليث بخفانا
ثمار النصر في معركة البويب

استنزاف قوى واقتصاد الاحتلال الفارسي

بعد النصر الكبير الذي تحقق للعرب والمسلمين في العراق بمعركة البويب على يد القائد العربي المثنى بن حارثة الشيباني كان لزاما عليه أن يستفيد من عرى ذلك النصر وان يجمع القبائل العربية بالعراق من حوله على عجل قبل أن تتجمع قوات الفرس الانتقامية بجيش كبير لجب من جديد لخوض معركة قد تكون فاصلة وبالفعل فقد أرسل المثنى إلى الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه ليذكر بحتمية الاستعداد والإعداد لتلك المعركة المرتقبة خلال العام القادم تقريبا لان الفرس أدركوا خطورة الخطر المحدق بإمبراطوريتهم المتهاوية وريثما يتم ذلك الإعداد وبانتظار باقي النجدات المرسلة تحرك المثنى من فوره للانتشار بسواد العراق لفرض السيطرة التامة على الأجزاء المحررة من البلاد والمحافظة على روح النصر عند القبائل في تلك المناطق ومباشرة الإعداد والتهيئة لساحة التحرير من داخل العراق أيضا استعدادا للمعركة الكبرى الفاصلة من خلال حث القبائل على التطويع والحشد مع القيام بغارات خاطفة على القوى الفارسية لتتوزع وتضعف عندما تضطر للانتشار في المواقع المتبقية عند بعض المدن العراقية والتي كان منها/-
1/ ميسان
مدينة ميسان أو العمارة وهي مدينة عراقية عريقة يبلغ قدمها منذ العهد السومري وقد تكون سميت باسم الملك السومري ميساني داد وقد جدد بنائها الاسكندر المقدوني عندما دخل البلاد قبل أن ينقل عاصمته إلى بابل وقد كانت عامرة بالقرى الآهلة بالسكان والبساتين الجيدة والحدائق والحقول الخضراء وكان المثنى قد أرسل القائد جرير البجلي على راس قوة كبيرة إلى ميسان ليحررها من الفرس وقد تمكن من ذلك فحررها وعادت إلى خانة العراق العربي الإسلامي (وهي التي عين الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه واليا عليها فيما بعد هو النعمان بن عدي العدوي وهو صهره زوج أخته التي رفضت مغادرة المدينة وقد عزله الخليفة عندما نظم شعرا قال فيه
من مبّلغ الحسناء إن حليلها***بميسان يسقى في زجاج وحنتمِ
إذا شئت غنتني دهاقين قرية***وصناجة تجثو على كل ميسمِ
لعل أمير المؤمنين يسـوؤه ***تنادمنا بالجوسق المتهـــدمِ
فعلم الخليفة بالأمر فكتب إليه(أي والله انه ليسوء ني ذلك وانك معزول))
2/ دستميسان
وهي التي تقع إلى الجنوب من ميسان وتجاورها ومن مدنها الخريبة أي البصرة القديمة والابلة البصرة الحالية وقد أرسل إليها القائد هلال بن علفة على راس قوات من جيشه وهي محررة بالأصل.
3/وادي الفرات
ركز المثنى على ذلك الوادي من خلال القيام بعدة غارات تجاه بابل وما بين النهرين وكانت تلك الغارات بقيادة عصمة بن عبد الله الضبي وعرفجة بن هرثمة البارقي والكلح الضبي.
4/الانبار
كان هنالك بالانبار وعلى مقربة من الفلوجة التي تم تحريرها مدينة أخرى تسمى العال فتحرك المثنى على راس قواته بحركة خاطفة من الحيرة إلى الانبار وداهم الحامية الفارسية التي كانت تسيطر على تلك المدينة فقضى عليها قضاءً مبرما وغنم غنائم كثيرة بعد معركة حامية الوطيس يصفها لنا أحد فرسان العرب الشجعان لأهميتها فيقول/-
وللمثنى بالعالِ معركــة***شاهدها من قبيله بشــرُ
كتيبة أفزعت بوقعتهــا***كسرى وكاد الإيوان ينفطرُ
وشجع المسلمون إذ حذروا***وفي صروف التجارب العبرُ
سهل نهج السبيل فاقتفروا *** آثاره والأمور تقتفـــرُ
5/بادوريا وقطربل ومسكن
وهي قرى قريبة من بغداد الحالية اندفع إليهن المثنى عندما تحرك ما بين الشمال والجنوب بين الرافدين فدخلهن وغنم غنائم كثيرة منها الغذاء والدواب وغيرها لتساعده على تأمين حاجات جيشه.
صفين
وهي اليوم في سوريا في محافظة دير الزور وكانت تابعة للعراق آنذاك وفي مكانها القديم يقام الآن سد الفرات الحالي وقد أرسل المثنى إليها يومئذ قوات بقيادة فرات بن حيان وعتبة بن النهاس لإخضاعها فعبر أهلها إلى الضفة الأخرى من الفرات واستمكنوا بالجزيرة ولما علم المثنى بذلك رأى أن ينجد قواته هناك فتقدم مسرعا واجتاز الصحراء في منطقة الانبار فوصل من اقصر الطرق إلى صفين تلك في دير الزور الحالية بعد أن سيطر على بعض قوافل حوران واخذ بعض الأسرى منهم كإدلاء ليهدونه إلى المنطقة ونجح بذلك.
الهجوم على أسواق العراق
أراد المثنى توجيه ضربة قوية قاصمة لاقتصاد الفرس من خلال مهاجمة أسواق العراق التي كان يديرها الفرس ولإثارة الخوف والفوضى بين الأوساط العامة للضغط على الفرس وإرباكهم بإظهار عجزهم وضعفهم وأيضا ما تقدم بان المثنى يحتاج المؤن والتعبئة والموارد والمال لتامين احتياجات جيشه الكبير الرامي إلى تحرير العراق فهاجم بعض الأسواق وهي/-
1/سوق الخنافس
والخنافس هي قرية مهمة قريبة من الحيرة وعبر الفرات وهي بين بين وعلى مقربة أيضا من أليس السماوة ويحتمل أن يكون موقعها آنذاك في مدينة الديوانية في محافظة القادسية الحالية وبدا إنها كانت تحوي سوقا عامرا كبيرا فقد ترك الجيش في الحيرة تحت قيادة بشير بن الخصاصية وقاد المثنى بنفسه غارة مباغتة خاطفة على تلك السوق وقد نجح بغارته إذ غنم غنائم كثيرة عندما استولى على ما في ذلك السوق كله وقد تغنى بذلك المثنى بنفسه فقال فيها/-
صبحنا بالخنافس جمع كسرى***وحيا من قضاعة غير ميلِ
بفتيان الوغى من كل حـيٍ ***تباري في الحوادث كل جيلِ
نسفنا سوقهم والخيـل رودٌ***من التطواف والشر البخيلِ

سوق بغداد أو القرية
كانت تقام في كل عام وفي موقع بغداد الحالية وتحديدا في موقع منطقة الكرخ وكانت تسمى منطقة القرية سوق كبرى يجتمع فيها التجار سنويا من مختلف أرجاء البلاد فتجتمع فيها بذلك الموسم أموالا طائلة فخطط المثنى للاستيلاء على تلك السوق فتقدم من الحيرة إلى الانبار وكان مزربان الانبار أي حاكمها الفارسي يسمى شفروخ فطلب منه المثنى أن ينصب جسرا لتعبر عليه قواته وانه يريد ادلاء للذهاب إلى المدائن كخدعة فامتثل وتقدم المثنى نحو المدائن وموقع بغداد هو على الطريق بين الانبار والمدائن فتهيأ المثنى للغارة وأراح قواته جوار آثار عقرقوف أو قد تكن أبي غريب الحالية إذ أن البلاذري أطلق عليها اسم المنظرة وقد قال الشاعر في ذلك/-
وآل منا الفارسي الحذرة***حين لقيناه دوين المنظرة
وبعد الاستراحة وعند هزيع الليل نهض مبكرا وأمر قواته بالحركة السريعة باتجاه بغداد فوصلوها قبيل طلوع الشمس فسيطر على الأموال كلها وحملها ليدعم جيشه وقفل عائدا بها إلى الحيرة.
وكان الفرس قد حاولوا اللحاق بهم ولاحظ إن هنالك من يحاول التأثير على معنويات الجند فقال المثنى لجنده( أيها الناس احمدوا الله وتناجوا بالبر والتقوى ولا تناجوا بالإثم والعدوان انظروا في الأمور وقدروها ثم تكلموا انه لم يبلغ النذير مدينتهم بعد ولو بلغهم لحال الرعب بينهم وبين طلبكم إن للغارات روعات تنتشر عليها يوما إلى الليل ولو طلبكم المحامون من رأى العين ما ادركوكم وانتم على الجياد العراب وهم على المقاريف البطاء حتى تنتهوا إلى عسكركم وجماعتكم ولو ادركوكم لقاتلتهم لاثنتين التماس الأجر ورجاء النصر فثقوا بالله واحسنوا الظن فقد نصركم الله عليهم في مواطن كثيرة وهم اكثر منكم واعز) وقد نجح المثنى وقواته بالعودة بسلام لكن غاراتهم تلك نالت كثيرا من اقتصاد وقيمة وهيبة الاحتلال الفارسي بالعراق.
تكريت
تقدم المثنى بجيش كبير إلى مدينة تكريت ومعه النسير بن ديسم في موقع القلب وفي المقدمة حذيفة بن محصن وعلى الجانبين مطر الشيباني والنعمان بن عوف وكانت عليها حامية فارسية وسكان المدينة وتجمع لبعض العملاء من أفراد القبائل الخاضعة لفارس فقام بالهجوم الصاعق عليها وسيطر عليها بعد دحر المدافعين عنها وغنم منها غنائم كثيرة ورجع إلى الحيرة بعد انتصار ساحق.
وكانت غارة المثنى بن حارثة الشيباني على تكريت هي آخر وقائعه القتالية فقد عانى من تداعيات ذلك الجرح الذي أصابه في واقعة الجسر وآذاه كثيرا ولم يشفى منه فقد أقعده المرض وبقي حتى نهاية عام 636م حيث توفي رحمه الله قبيل معركة القادسية والتي حدثت في 637م لكنه كان له فضل انتخاب ميدان المعركة عندما أشار على سعد بن أبي وقاص بان يقاتل الفرس في ذلك الموضع الملائم لمعركة كبرى حاسمة كتلك .
العراق عروبته إسلامه تحريره
استحضارات معركة القادسية
بعد الانتصار الكبير الذي تحقق للقوات العربية الإسلامية بقيادة المثنى بن حارثة الشيباني في معركة البويب الذي أحيا الأمل بالتحرير وقاد إلى ما تلاها من نجاح غارات جريئة خاطفة طالت أواسط العراق من جنوبه وحتى تكريت في شمال وسطه فأتاحت لهم السيطرة على الموقف وكسب القلوب واستمالتها لتأييد ونصرة مسعى التحرير من الهيمنة الفارسية الذي أضحى مرتقبا بين العيون سيما بعد تزامن أخبار انتصارات الجيوش العربية الإسلامية الأخرى في الجوار على الروم أولئك المحتلين الآخرين لسوريا الذين تقهقروا في اليرموك بيوم 23 آب636 م وانتصر المسلمون عليهم بقيادة خالد بن الوليد فأراد الفرس أن يشنوا معركة فاصلة ضد القوات العربية الإسلامية المتواجدة بالعراق قبل أن يتسنى لهم التجمع من جديد عند عودة جحافل بقية الجيوش لاستكمال مسعى التحرير الذي ابتدءوه قبل التحول إلى الشام بأمر من الخليفة أبى بكر رضي الله عنه ويتم تأجيله لذا باشر القائد الفارسي المحنك رستم بن الفرخزاد استكمال استحضاراته لتلك المعركة الكبيرة بحشد جيش ضخم كبير تحرك به من المدائن إلى موقع القادسية خلال أربعة اشهر وأدرك المثنى إن الموقف خطيرا وحاسما وكان قد بعث بعدة رسائل يطلب بها المدد من الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه وقد بين له خطورة الموقف وانهم مقبلون على معركة فاصلة بلا شك وان قواته المتواجدة بالعراق غير متكافئة من الناحية العددية على الإطلاق مع الحشد الأخير الذي يتربص بهم في القادسية وانه قرر التخلي عن المناطق المحررة والتوجه إلى ذي قار لخطورة الموقف وهنا كان الخليفة عمر بن الخطاب قد أعلن الاستنفار وكاتب عماله في عموم الأرجاء الإسلامية بان(لا تدعوا أحدا له سلاح أو فرس أو نجدة أو رأي إلا انتخبتموه ثم وجهتموه ألي ّوالعجل العجل) وكان قد قرر قيادة ذلك الجيش بنفسه لتحطيم الإمبراطورية الفارسية في المعركة القادمة المفترضة وقال وقد عزم على الخروج(والله لأضربنَّ ملوك العجم بملوك العرب) لكن الصحابة والمستشارون أشاروا عليه أن يبقى لإدارة أمور الدولة وان يعين قائدا على الجيش وقد انتخبوا لذلك الأمر القائد البطل سعد بن مالك المعروف بسعد بن أبي وقاص فامتثل سعد للأمر وتوجه من المدينة بأربعة آلاف مقاتل وتحشد بالثعلبية غربي نجد وجوار العراق وهي آبار ماء وبقي بها نحو ثلاثة اشهر لاستكمال تنظيم جيشه وانضم إليه عمرو بن معد بن يكرب الزبيدي بقواته من اليمن وطليحة الاسدي بقواته والأشعث بن قيس بقواته من حضرموت كما انضمت إليه قوات أخرى من الشام قدرت بثماني آلاف مقاتل بإمرة هشام بن عتبة وقد انضمت إليهم أيضا القبائل العربية من الجوار العربي للعراق والتي قدر عددها بنحو خمسة آلاف مقاتل وهنا اصبح قوام جيش سعد نحو ستة وثلاثين ألف مقاتل.
فاندفع سعد بجيشه الذي تكامل إلى الأمام إلى شدهل بمنطقة آبار النخيب أو البصية غربي كربلاء الحالية جوار نقرة السلمان المعروفة.

تحضيرات معركة القادسية

لقد كانت هي المعركة الفاصلة الكبرى التي ببشائر نصرها تم الإعلان عن تحرير العراق نهائيا عندما هزم بها الجيش الفارسي فيها رغم كثرته وعدته وعديده بذلك التفاوت التعبوي بين جيشهم والجيش العربي الإسلامي .

تعليمات ووصايا الخليفة إلى القائد سعد بن أبي وقاص

لقد كانت وصايا الخليفة عمر بن الخطاب إلى القائد سعد بن أبي وقاص متواصلة منذ انطلاقة الجيش العربي الإسلامي واستمرت بحسب الموقف وفق مراسلات متواصلة كان أولها أن /_

(يا سعد, سعد بني وهب لا يغرنّك من الله أن قيل خال رسول الله  وصاحبه فأن الله عز وجل لا يمحو السيء بالسيء ولكنه يمحو السيء بالحسِن وليس بين الله وبين أحد نسب إلا بطاعته فالناس شريفهم ووضيعهم في دين الله سواء يتفاضلون بالعاقبة ويدركون ما عند الله بالطاعة فانظر الأمر الذي رأيت النبي  يلزم فالزمه وعليك بالصبر)

ثم أوصاه أيضا قبيل الحركة أن/_

( اني وليّتُكَ حرب العراق فاحفظ وصيتي فانك تقدم على أمر شديد كريه ,وكانت العرب تسمي الحرب كريهة أحيانا,لا يخلص منه إلا الحق فعّود نفسك ومن معك الخير واستفتح به واعلم إن لكل عادة عتادا فعتاد الخير الصبر فالصبر الصبر على ما أصابك أو نابك تجتمع لك خشية الله واعلم إن خشية الله تجتمع في أمرين في طاعته واجتناب معصيته وانما إطاعة من أطاعه ببغض الدنيا وحب الآخرة وعصيان من عصاه بحب الدنيا وبغض الآخرة وللقلوب حقائق ينشئها الله منها السر ومنها العلانية فأما العلانية فان تكون حامدة ذامّة في الحق سواء أما السرّ فيعرف بظهور الحكمة من قلبه ولسانه وبمحبة الناس فلا تزهد في التحبب فان البنين قد سألوا محبتهم وان الله إذا احبَّ عبدا حببه إلى خلقه فاعتبر منزلتك من الله بمنزلك من الناس واعلم إن مالك عند الله مثل ما للناس عندك).

وقد أوصاه عند الحركة أيضا

(لا يهولنّك كثرة عُددهم وعَددهم فانهم قوم خدعة مكرة وان انتم صبرتم وأحسنتم ونويتم الأمانة رجوت أن تنصروا عليهم ثم لم يجتمع شملهم ابد إلا أن يجتمعوا وليست معهم قلوبهم وان كانت الأخرى فارجعوا إلى ما وراءكم حتى يأتي بالفتح عليهم ويرد لكم الكرّة).,وهنا يوضح إليهم الخليفة بوجوب القتال جوار الصحراء وعلى حافتها لأهميتها عند الحاجة للانسحاب في حال الاحتياج إليه ولان عدوهم لا يستطيع لحاقهم فيها مطاردا لأن الفرس يتجنبون الإيغال في مواطن العرب ثم أرسل إليه موصيا بعد الحركة أن/_

(اكتب إليّ بجميع أحوالكم وتفاصيلها وكيف تنزلون وأين يكون منكم عدوكم واجعلني بكتبك اليّ كأني انظر إليكم واجعلني من أمركم على الجليّة).

ثم أرسل إليه بعد ذلك مجددا أن/_

(إذا بلغت القادسية فتكون مسالحك على انقابها ويكون الناس بين الحجر والمدر, والحجر هي الصحراء بلغة العرب أما المدر فهي المدن والقرى,وإذا كان يوم كذا فارتحل بالناس حتى تنزل فيما بين عذيب الهجانات وعذيب القواديس وشرّق بالناس وغرّب بهم وان منحك الله أدبارهم فلا تنزع حتى تقتحم عليهم المدائن فانه خرابها إن شاء الله وانه قد القي في روعي إنكم ستهزمونهم فلا تشكّن في ذلك).

ثم أوصاه أخيرا أن/_

(إذا جاءك كتابي هذا فعشّر الناس وعرّف عليهم وأمّر عليهم وقدّرهم وهم شهود ثم وجههم إلى أصحابهم وواعدهم بالقادسية واضمم إليك المغيرة بن شعبة في خيله واكتب اليّ بالذي يستفز عليه أمرهم).

أي اجعل الجيش على هيئة مجاميع بنحو عشرة جنود واجعل عليهم عرفاء وامراء على التشكيلات بالتتابع واجعل الميعاد عند موقع القادسية وفي الرسالتين الأخيرتين ما يدلل على دراية الخليفة ومجلسه الاستشاري كنظم حركات مثلى تصلح شان القطعات المتقدمة للقتال خاصة بتسلحها بالصبر والثبات الذي أكد عليه الخليفة.

ولما وصل سعد بالجيش إلى منطقة العذيب في المرحلة الثانية من المسير وهو الجزء الجنوبي من ميدان القادسية ويبعد عنه نحو أربعة أميال ثم تقدم سعد بالمرحلة الثالثة والأخيرة إلى ميدان القادسية وجعل قصر قديس مقرا له ومن سطحه أدار المعركة كما سيتقدم وفي العذيب كانت قد وصلته رسالة الخليفة الأخيرة وبها وصايا هامة هي أن/_

(أما بعد فاني آمرك ومن معك من الأجناد بتقوى الله على كل حال فان تقوى الله افضل العدة على العدو وأقوى المكيدة في الحروب وآمرك ومن معك أن تكونوا اشد احتراسا من المعاصي منكم من عدوكم فان ذنوب الجيش أخوف عليهم من عدوّهم وانما ينصر المسلمون بمعصية عدوهم لله ولولا ذلك لم تكن لنا بهم قوة لان عددنا ليس كعددهم ولا عدتنا كعدتهم فان استوينا في المعصية كان لهم الفضل علينا في القوة وإلا ننصر عليهم بفضلنا أن لم نغلبهم بقوتنا واعلموا أن عليكم في مسيركم حفظة من الله يعلمون ما تفعلون فاستحيوا منهم ولا تعملوا بمعاصي الله وانتم في سبيل الله ولا تقولوا أن عدونا شرّ منّا فلن يسلط علينا وان أسأنا فرب قوم قد سلّط عليهم شرّ منهم كما سلّط على بني إسرائيل لما عملوا بمساخط الله كفاّر المجوس(فجاسوا خلال الديار وكان وعدا مفعولا) وأسالوا الله العون على أنفسكم كما تسألونه النصر على عدوكم أسال الله ذلك لنا ولكم وترفّق بالمسلمين في مسيرهم ولا تجشمهم مسيرا يتعبهم ولا تقصر بهم ترفق بهم حتى يبلغوا عدوهم والسفر لم ينقض قوتهم فانهم سائرون إلى عدو مقيم حامي الأنفس الكراع ,أي الخيل, وأقم بمن معك في كل جمعة يوما وليلة تكون لهم راحة يحيون فيها أنفسهم ويرمون أسلحتهم وأمتعتهم ونِح,أي ابعد,منازلهم عن قرى أهل الصلح والذمة فلا يدخلها من أصحابك إلا من تثق بدينه ولا يرزأ أحدا من أهلها شيئا فان لهم حرمة وذمة ابتليتم بالوفاء بها كما ابتلوا بالصبر عليها فما صبروا لكم فتولوهم خيرا ولا تنصروا على أهل الحرب بظلم أهل الصلح وإذا وطئت ارض العدو فاذك العيون بينك وبينهم ولا يخف عليك أمرهم وليكن عندك من العرب أو من أهل الأرض من تطمئن إلى نصحه وصدقه فان الكذوب لا ينفعك خيره وان صدقك في بعضه والغاش عين عليك وليس عينا لك وليكن منك عند دنوك من ارض العدو أن تكثر الطلائع وتثبت السرايا بينك وبينهم فتقطع السرايا إمدادهم ومرافقهم وتتبع الطلائع عوراتهم وانتقِ للطلائع أهل الرأي والبأس من أصحابك وتخير لهم سوابق الخيل فان لقوا عدوا كان أول ما تلقاهم القوة من رأيك واجعل أمر السرايا أهل الجهاد والصبر على الجلاد لا تخص بهذا أحدا بهوى فتضيع من رأيك وأمرك اكثر مما حبيت به خاصتك ولا تبعثنّ طليعة ولا سرية في وجه تتخوف عليها فيه غلبة أو ضيعة أو نكاية فإذا عانيت العدو فاضمم إليك أقاصيك وطلائعك وسراياك واجمع إليك مكيدتك وقوتك ثم لا تعاجلهم المنازلة ما لم يستكرهك قتال حتى تبصر عورة عدوك ومقاتله وتعرف الأرض كلها معرفة أهلها بها فتصنع بعدوك كصنعه بك ثم اذك أحراسك على عسكرك وتيقظ من البيّات,أي المفاجآت, جهدك ولا تؤتى بأسير ليس له عقد إلا ضربت عنقه لترهب عدو الله وعدوك والله ولي أمرك ومن معك وولي النصر لكم على عدوكم والله المستعان)

وهنا يقف القارئ المنصف إجلالا إزاء كل ما صدر من الفاروق رضي الله عنه من فرط إيمانه وتقواه وورعه وزهده وثقته بنصرة الله في حال توافر مخافته وطاعته ولزوم أوامره ولا ننسى عدله وهو يوصي بالناس خيرا من جنده وأهل الصلح والذمم من غير المعنيين بالحرب ولا يرضى بالاعتداء عليهم واستلاب حقوقهم ووجوب احترامهم وعدم المساس بهم وغير ذلك كثير مما يوحي بأخلاق وسياسة حرب مثلى توجب تقديرها والوقوف عندها والتفكر بها مليا
القادسيــــــة
استعدادات المعركة
لم تعرف العرب جيشا لجبا مثل ذلك الجيش الذي اجتمع لمعركة القادسية والذي بلغ قوامه نحو ستة وثلاثون ألف مقاتل ولما قسم القائد سعد بن أبي وقاص جيشه إلى عرافات وسرايا وكتائب كما تقدم بالبحث ثم وزع قادته على تلك التشكيلات العسكرية بحسب ترتيبها وابدر إلى احتلال الموضع في القادسية بين خندق سابور في الغرب وجدول العتيق أو الخضوض في الشرق وقد اسند جناح الجيش الأيمن جوار مستنقع يقع إلى الجنوب الشرقي من القادسية ساندا ظهر جيشه إلى الصحراء عملا بوصية الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه أما في العذيب على بعد قرابة أربعة أميال جنوبا فقد اتخذ من العذيب مقرا إداريا لجيشه وبه وضع النساء والأطفال والأحمال والحيوانات الاحتياطية والجرحى بمركز إخلاء وقد أوكل عليهم قوة حماية إلى جانب من يعنون بكافة الأمور الإدارية وهم بإمرة غالب بن عبد الله الليثي.

أمراء وقادة الجيش

القائد العام/سعد بن أبي وقاص

النائب/ خالد بن عرفطة

أمير المقدمة/زهرة بن عبد الله بن الحوية

أمير الميمنة/عبد الله بن المعتم

أمير الميسرة/شرحبيل بن السمط الكندي

أمير المشاة/حماد بن مالك الأسدي

أمير الخيالة/عبد الله بن ذي السهمين

أمير المجردة/سلمان بن ربيعة الباهلي

أمير الطلائع/سواد بن مالك التميمي

أمير الساقة/عاصم بن عمرو التميمي

وكان كاتب القائد هو زياد بن أبي سفيان وسمي بالكاتب الأول للجيش واستحدث منصب الرائد والداعية لتقصي الأخبار وما إليه وقد أوكله إلى سلمان الفارسي كما أسند للقضاء وتوزيع الفيء على الجند عبد الرحمن بن ربيعة وتم تحديد ساعة الصفر لبدء المعركة بأنها التكبيرة الرابعة من فجر يوم الخميس من شهر صفر للعام السادس عشر للهجرة والموافق نيسان من سنة 637م.

استنهاض حماس الجيش العربي

لقد باشر القائد سعد بن أبي وقاص قبيل المعركة بيوم بحملة توعية ورفع معنويات لجنده عندما شاهدوا كثرة الفرس وجيشهم العرمرم البالغ نحو مائة وعشرون الف مقاتل وخطب سعد في جيشه قائلا /-

( إن الله هو الحق لا شريك له في الملك وليس لقوله خلف قال جلّ ثناؤه ((ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر إن الأرض يرثها عبادي الصالحون)) ان هذا ميراثكم وموعود ربكم وقد أباحها لكم منذ ثلاث حجج فانتم تطعمون منها وتأكلون منها وقد جاءكم هذا الجمع وانتم وجوه العرب وخيار كل قبيلة وعزّ من وراءكم فان تزهدوا في الدنيا وترغبوا في الآخرة جمع الله لكم الدنيا والآخرة ولا يقرب ذلك أحدا إلا اجله وان تفشلوا وتهنوا وتضعفوا تذهب ريحكم وتوبقوا آخرتكم)

فتأثر عاصم بن عمرو التميمي من خطبة سعد فنهض ووقف في الجيش خطيبا بخطبة حماسية أخرى ثم طاف على الجيش وهو يقول/-

(يا معشر العرب إنكم أعيان العرب وقد صمدتم لأعيان العجم وإنما تخاطرون بالجنة ويخاطرون بالدنيا فلا يكونن على دنياهم أحوط منكم على آخرتكم لا تحدثوا اليوم أمرا تكونن به شينا على العرب غدا)

وقد خرج كثيرا من خطباء العرب وشعرائهم لاستنهاض الهمم وإثارة الحماس عند الجند ومنهم طليحة الاسدي وعمرو بن معد يكرب الزبيدي والمغيرة بن شعبة والحطيئة وعبدة بن الطبيب السعدي وشماخ وغيرهم فألهبوا بذلك من حماس الجيش العربي الإسلامي وارتفعت معنوياته إلى أقصى مدى ممكن.

استنهاض حماس الجيش الفارسي

وعلى الجانب الآخر وفي صفوف الجيش الفارسي طاف القائد الفارسي رستم على جنده مرتديا تجهيزات القتال بعد ان استعرض الجيش وألقى بعض عبارات التشجيع لجنده لكي يرفع من معنوياتهم والتي لم تكن عالية بعد الذي جرى بالمعارك السابقة لكنه لم يكن متفائلا غير انه أرغم على القتال وختم حديثه بعبارة (غدا ندقهم دقّا) ثم اصدر أوامره إلى قادة جيشه بان يثيروا الحماس في الجند وان يحرضوهم على القتال بتلك المعركة الحاسمة.

العراق عروبته اسلامه تحريره
معركة القادسية

اليوم الاول


يوم أرماث


في صباح يوم الخميس من شهر نيسان عام 637م الموافق لصفر من العام السادس عشر للهجرة النبوية وهي موعد معركة القادسية مع التاريخ الإسلامي والتي كان موعد انطلاقها بساعة صفر حددتها التكبيرات الأربع التي حددها القائد العربي سعد بن أبي وقاص لجيشه بصبيحة ذلك اليوم ولما بدا إن الصدام قد أضحى وشيكا أمر القائد سعد بقراءة سورة الأنفال على الجيش لوقعها الكبير المعلوم بمواقف كبرى كتلك فأثارت تلك الآيات البينات حماسة الجند وقد تليت بتلك المحنة فزادتهم عزيمة على النصر وقد لاحظ سعد بفطنته المعهودة حماسة جنده وهي في أعلى حالاتها حتى إن خيلهم بدأت تتطافر من تحتهم وتضرب على الأرض وتعلك اللجام ولا يحدها الشكيم فكبر تكبيرته الأولى ثم أردف بالثانية ولما كبر الثالثة انطلق بعض الفرسان على الفور نحو الأعداء ليبارزونهم وكان أول من اندفع للنزال وبرز للفُرس هوا لمقاتل البطل غالب بن عبد الله الأسدي وهو ينشد/-
قد علمت واردة المسائح***ذات اللبان والبنان الواضح
اني سمام البطل المشايـح***وفارج الأمر المهم الفـادح
فبرز إليه هرمز فقاتله غالب حتى تمكن من أسره واقتاده صوب الجيش العربي الإسلامي أسيرا وسلمه إلى المسلمين وعاد إلى ساحة المعركة ثم برز المقاتل البطل عمرو بن معد يكرب الزبيدي لمبارز من الفرس فجذبه عمرو من على فرسه وأطبق عليه حتى دق عنقه وذبحه وهو يصيح/-
(أنا أبو ثور, هكذا فاصنعوا بهم).
الهجوم العربي الكاسح
وعندما كبّر القائد سعد بن أبي وقاص التكبيرة الرابعة كانت المفاجأة الكبرى فقد اندفعت كتائب الخيالة العرب المسلمين فأثارت غبارا عاليا اذهل الأعداء فشنت هجوما عاصفا على مقدمة واجنحة الجيش الفارسي ثم تحرك كتائب المشاة العربية الإسلامية والتحمت مع كتائب مشاة الفرس فدارت معركة طاحنة كبرى .


العراق عروبته اسلامه تحريره
معركة القادسية

اليوم الاول

يوم أرماث



ليلة الهـدأة

وهي الليلة الهادئة التي مرت بعد القتال المرير الذي جرى بيوم ارماث في اليوم الأول للقادسية والذي تكبدت به القوات العربية الإسلامية خسائر فادحة لشدة الهجوم الفارسي الذي ركز على الجناح الأيمن والذي كان يحوي قوات القائد السابق المثنى بن حارثة الشيباني التي اتخذت من الأرض المزروعة قرب المستنقع موقعا لها لدرايتها بأسلوب قتال الفرس الذين علموا ذلك فكان أول هجومهم على الكتيبة البجلية التي عرفت بأنها اشد العرب المسلمين حماسة في القتال وقد كانت تحت قيادة جرير بن عبد الله البجلي فأراد الفرس القضاء على تلك الكتيبة ابتداء فهجموا عليها مع ثلاثة عشر فيلا مدرعا بالأبراج التي تحوي المقاتلين الكامنين في تلك الأبراج الخشبية فتمكن الفرس بتلك الصولة من السيطرة على تلك الكتيبة البطلة وكادت الفيلة وما عليها أن تبيد كتيبة بجيلة لكنها صمدت في وجه تلك الهجمة الشعواء رغم خسائرها الكبيرة واستبسلت بشجاعة كبرى سجلها لها التاريخ حتى أتاها العون لما لاحظ القائد سعد بن أبي وقاص خطورة الموقف من على سطح القصر في الميدان وان جناح جيشه الأيمن أوشك أن يسحق برمته فأوعز إلى القائد طليحة بن خويلد الاسدي قائد كتيبة أسد بان يتقدم لنجدة الكتيبة البجلية فورا لما قال
(ذبوا عن بجيلة وما حولها من الناس) فامتثل طليحة ووقف يخطب في جنده وبني قومه قائلا
(يا عشيرتاه لو علم سعد إن أحدا أحق بإغاثة هؤلاء منكم استغاثهم ابتدئوهم الشدة وأقدموا عليهم إقدام الليوث الحربة فإنما سميتم أسدا لتفعلوا فعله شدّوا ولا تصدوا وكرّوا ولا تفروا شدوا عليهم باسم الله) ,
ولما سمع القوم خطاب طليحة ارتفعت نخوتهم وهموا بنجدة إخوانهم واندفعت الكتيبة الاسدية بجموع الأسود فهجمت على الفرس وتمكنت من تخفيف الضغط على بجيلة رغم ضربات الفيلة والسهام من الأبراج التي فوقها ولكنها تمكنت من عزل مشاة الفرس عن الفيلة وأوقعت بهم خسائر فادحة لكن رستم قائد الجيش الفارسي لما رأى إن العرب سيصدون هجومه على الجناح الأيمن عزز من هجومه بإرسال الفيلة بهجوم شديد على الكتيبتين بجيلة وأسد فدارت اشد المعارك عنفا وضراوة وبدا الجناح الفارسي الذي هجم بتركيز يطحن كتيبة بني أسد فجزعت سلمى زوجة سعد والمثنى من قبله لما رأت الخطر يحف بفتيان بني أسد فصرخت
( وامثنياه ولا مثنى اليوم للخيل )
فامتعض سعد بشدة من كلامها فلطمها على وجهها وقال
( أين المثنى من هذه الكتيبة التي تدور عليها) فقالت سلمى( يا سعد أغيرة وجبنا)
وهنا خجل القائد وقال
(والله لا يعذرني اليوم احد إن لم تعذريني وأنت ترين ما بي).
وحتى يتمكن من إنقاذ الموقف أوعز القائد سعد إلى عاصم بن عمرو التميمي بالتقدم بكتيبته لنجدة الكتيبتين الصامدتين وان يقوم بهجوم مقابل على القوات الفارسية لكن سعد قال قبل الهجوم
( يا معشر بني تميم ألستم أصحاب الإبل والخيل أما عندكم لهذه الفيلة من حيلة)
فابدر عاصم وأمر رجاله بان يذبوا ركبان الفيلة عنهم بالنبل وان يستدبروا الفيلة ويقطعوا وضنها أي الأحزمة التي كانت تربط الحصون والأبراج من فوقها وحصل الهجوم عند الغروب فنفذت الكتيبة التميمية وأبطالها من المقاتلين الواجب بأروع السبل وتمكنوا من القضاء على الفيلة وتحييد دورها بأرض المعركة لما أصيبت وسقطت الحصون من على ظهرها وعمت الفوضى وسيط القوات الفارسية وارتبك أدائها لما قتل جميع الفرسان الذين كانوا يكمنون في الحصون وسيط صراخ الفيلة وانهزامها فتمكنت الكتائب الثلاث بجيلة وأسد وتميم من المحافظة على مواقعها وثبتت حتى توقف القتال قبيل الظلام وقد سمي ذلك اليوم بيوم ارماث كما أسلفنا وقد الحق العدو بالعرب المسلمين خسائر كبيرة حتى إن أسد وحدها قدمت خمسمائة شهيد.

العراق عروبته اسلامه تحريره
معركة القادسية

اليوم الاول

يوم أغواث

ابتدأ القتال باليوم الثاني منذ الصباح الباكر وقد استفاد العرب المسلمين من تجربتهم باليوم الأول وخسائرهم الكبيرة التي تسببت بها الفيلة فأبدروا إلى خدعة فرضتها ظروف المعركة فبرقعوا عددا من الإبل بقطع كبيرة من القماش ودفعوا بها إلى القطعات الأمامية بالمعركة حتى ذعرت منها خيول الفرس وفرت من ارض المعركة وبغياب الخيالة انكشفت مشاة القوات الفارسية وأصبحت تنوء تحت وابل ضربات سيوف الخيالة العربية الإسلامية خاصة وان القوات الفارسية كانت قد فقدت كتائب أبراج الفيلة التي لم تكتمل جاهزيتها بعد الضرر الذي لحق بها اثر استهدافها من قبل القوات العربية باليوم الأول.
وكان من أهم العوامل التي عززت من موقف الجيش العربي الإسلامي بذلك اليوم هو وصول طلائع النجدة والعون من الشام والتي كان على رأسها القائد العربي القعقاع بن عمرو التميمي وكان بطلا شجاعا وقائدا محنكا إذ قام قبيل أن يصل بقطعاته إلى موقع المعركة بنشرها بفاصلات كبيرة ليوحي للأعداء بعظم النجدات القادمة إلى الجيش العربي الإسلامي وقد اثر ذلك في معنويات الفرس خاصة وان القعقاع وصحبه قد ضربوا أروع غايات الاستبسال في ذلك اليوم ومنذ وصولهم فقد هجم القعقاع على الفرس نحو ثلاثين مرة وقتل فيها لوحده ثلاثين رجلا منهم ويروي لنا التاريخ عن هذا الأمر إن ذلك البطل الصنديد لما وصل إلى ساحة الوغى قال إلى رفاقه في الجيش العربي الإسلامي (ألا فاصنعوا كما اصنع) ثم تحول إلى الفرس وصرخ قائلا من يبارز حتى خرج إليه القائد الفارسي بهمن ذو الحاجب ذلك القائد الذي حقق للفرس نصرهم في معركة الجسر غربي العراق تلك المعركة التي كلفت الجيش العربي الإسلامي خسائر فادحة فصرخ ذلك الفارس أنا بهمن جاذويه فلما عرفه القعقاع صاح بصوت مرتفع (يا لثارات أبي عبيد وسليط وأصحاب يوم الجسر) وهجم عليه كالأسد وتمكن من قتله على الفور.
فبرز للقعقاع فارسان من الفرس ليثأرا لقائدهم فلقيهما القعقاع ومعه الحارث بن ظبيان بن الحارث وتنازلا حتى قتل الفارسين الفارسيين فصاح القعقاع في المسلمين موعزا بالهجوم الكبير( يا معشر المسلمين باشروهم بالسيوف فإنما يحصد الناس بها) وقد اشترك بذلك اليوم بالقتال القائد العربي الشهير أبى محجن الثقفي الذي كان سجينا بذلك اليوم لان القائد سعد بن أبي وقاص كان قد سجنه بسبب تغنيه بالخمر وقيل أن سلمى أطلقته ليقاتل على أن يعود لسجنه أن كتبت له النجاة لما سمعته ينشد من سجنه أبياتا في حق القتال( وقيل بحسب البلاذري إن الزبراء محظية سعد هي التي أطلقته).
والأبيات هي/ـ
كفى حزنا أن تطعن الخيل بالقنا
واترك مشدودا على وثاقيا
إذا قمت عناني الحديد وأغلقت
مصاريع دوني قد تصم المناديا
وقد كنت ذا مال كثير وإخوة
فقد تركوني واحدا لا أخا ليا
وقد شف جسمي إنني كل شارق
أعالج كيلا مصمتا قد برانيا
فلله دري يوم اترك موثقا
ويذهل عني أسرتي ورجاليا
حبسنا عن الحرب العوان وقد بدت
أعمال غيري يوم ذاك العواليا
فلله عهد لا اخيس بعهــــده
لئن فرجت أن لا ازور الحوانيا
ليلة السواد
وهنا نزل أبى محجن إلى المعركة يملؤه الحماس وقاتل قتالا شديدا بعد أن تلثم لئلا يعرفه احد ويشي به إلى سعد وراح يطعن بكل ما أوتي من قوة فتعجبت من فعله العرب والفرس حتى إن سعدا تساءل ( إن الضبر ضبر البلقاء والطعن طعن أبي محجن وأبو محجن في القيد) ؟؟ أي من يكون هذا الفارس وقتاله قتال أبى محجن وفرسه كفرس سعد البلقاء ولكن أبى محجن في القيد , وعاد ابى محجن إلى سجنه بعد توقف القتال في الليل ولما عاد سعد إلى الدار سألته سلمى عن القتال فاخبرها( لقينا ولقينا حتى بعث الله رجلا على فرس أبلق لولا إني تركت ابى محجن في القيد لظننت إنها بعض شمائل أبى محجن) فقالت له انه والله لأبي محجن ثم روت له ما حدث فذهب سعد إليه وأطلق سراحه وهو يقول( اذهب فما أنا مؤاخذك بشيء تقوله حتى تفعله) وقيل انه قال أيضا (والله لا أجد اليوم رجلا أبلى الله المسلمين على يده ما أبلاهم) فقال ابى محجن والله لن أذوقها ما حييت.
واستمر العرب المسلمون في هجومهم الكبير موقعين بالفرس اكبر الخسائر وتغيرت دفة المعركة بهذا حتى إن تلك الخسائر الفادحة جاوزت العشرة آلاف قتيل غير إن العرب حاولوا عبثا بذلك اليوم الحصول على النصر النهائي إلا إن الفرس صمدوا واستبسلوا بسالة نادرة سيما وان أعدادهم غفيرة يستطيعون بها تعزيز قطعاتهم وتعويض الخسائر بالأعداد فاحتاج الأمر لمنحى آخر يغطي على ذلك الفارق ويقلب الموازين وذلك بان تستمر المعركة إلى الليل لا إلى الغروب وتمكن العرب من القتال ليلا وهذا ما يستطيعه المقاتل العربي البدوي الذي يستسهل ذلك الأمر الذي لا يقدر عليه غيره فركز العرب هجومهم الدائر على قلب القطعات الفارسية كي ينالوا من القائد العام رستم الذي مقره بالقلب واستمر القتال الشرس ليلا لساعات بعد الظلام الدامس حتى توقف أخيرا في تلك الليلة التي سميت بليلة السواد.

العراق عروبته اسلامه تحريره
معركة القادسية
يوم عماس

كما تقدم وعندما حل مساء يوم القتال الثالث يوم عماس اندفعت الكتيبتان الاسدية والزبيدية لتنفيذ أمر القائد سعد واللتين كانتا تشكلان ميمنة الجناح العربي الأيمن فالتفتا على جناح الجيش الفارسي الأيسر من الخلف وكان ذلك مفاجأة كبيرة للفرس خاصة بعد مبادرة كتيبة القعقاع للمساندة لما خشي على الكتيبتين من خطر احاطة القوات الفارسية لها وتطويقها والاستفراد بها ورغم إن القائد سعد بن أبي وقاص لم يستأذن في حركة القعقاع تلك إلا انه قال (اللهم اغفرها له وانصره فقد أذنت له وان لم يستأذن) وبذا فقد جمع سعد بقية القوات والقطعات والكتائب من باقي أسد والنخع وبجيلة وكندة وغيرها ودفع بها الى تلك الملحمة الليلية الحامية الوطيس التي دارت في سهل القادسية بجنوبي العراق ويذكر التاريخ هنا بان المقاتلين المسلمين اندفعوا تملؤهم الرغبة بالشهادة تحركها النخوة والحمية على إخوانهم في الجناح الأيمن الذي التف قد حوصروا لما قاموا بذلك الالتفاف على الفرس فدارت معركة ضارية استمرت حتى الصباح ولم يغمض فيها جفن لأحد طيلة ليلة المعركة ومع خيوط الفجر الأولى سمعت بشائر النصر انشدها القعقاع بصوته منشدا/ـ
نحن قتلنا معشرا وزائــدا
أربعة وخمسة وواحـــدا
نحسب فوق اللبد الاسـاودا
حتى إذا ماتوا دعوت جاهدا
الله ربي واخترزت عامـدا
وتعتبر من كبريات المعارك ضراوة في التاريخ وبتلك الحقبة والتي حصلت فيها مجزرة رهيبة تحدثت عنها مصادر التاريخ من حيث إنها قصمت ظهر الجيش الفارسي وقوضت تلك الإمبراطورية من هول خسائر الفرس فيها وحتى الجيش العربي الإسلامي فانه دفع فيها تضحيات جسام لا تنسى .