Tuesday 8 September 2015

العراق عروبته اسلامه تحريره
معركة القادسية
يوم عماس

نهاية يوم عماس
مما ينقله لنا التاريخ يتضح انه في ذلك اليوم العصيب الذي لم تغمض به عين لمقاتل سواء في الجيش العربي أو الفارسي لما استمرت المعركة كما أسلفنا حتى ضياء الفجر وبقيت دائرة حتى انطلق القعقاع بجنده صوب قلب الجيش الفارسي وقيادته بغية شق جبهته وخرقها بعد أن تم دحر الجناحين لذلك الجيش ولكي يضعف معنويات المقاتلين لما يتم الإجهاز على قائدهم العام رستم الذي كان موقعه في القلب وأيضا لكي تتجه التعزيزات إلى القلب وحده فيسنح للجيش الإسلامي الحركة الالتفافية بحرية اكبر فصاح القعقاع في قلب المعركة(إن الدائرة بعد ساعة لمن بدأ القوم فاصبروا ساعة واحملوا فان النصر مع الصبر) فتقدم المسلمون بحماس كبير أملا في النصر من عند الله فحملوا على عدوهم بهجمة عاصفة وركزوا على قوات القلب الفارسي التي كانت بمثابة فرقة قوامها خمسة عشر ألف مقاتل يحمل كل مقاتل فيها رمحا قاعدته تفاحة ذهبية وهو يجسد البذخ بذلك وقد استمات الجيش الفارسي بصبر كبير بلا طائل وقد ذكرت الوقائع إن نحو ثلاثين من كتائب الفرس قد أبيدت بذلك الموقف الحاسم لما رفضت التراجع واستمر الجيش العربي الإسلامي بهجومه الصاعق حتى خرقت الجبهة الفارسية كاملا ونجح تخطيط القائد الميداني القعقاع ووصل جنده إلى مقر القائد رستم وقد حصل ارتباك شديد فقد عمت الفوضى بصفوف الجيش الفارسي واندحر وتقهقر فقد ألقى كثيرا من الجنود الفرس بأنفسهم في النهر ليفروا صوب الجهة الأخرى خصوصا بعد أن رأوا إن قائدهم قد فعل كذلك فقد ألقى القائد رستم بنفسه في نهر العتيق محاولا الهرب وتجنب المصير المحتوم إلا إن احد المقاتلين العرب وقيل انه هلال بن علقمة قد تمكن من قتله بعد أن أخرجه من النهر فضربه بالسيف على جبينه وصاح بأعلى صوته(قتلت رستم ورب الكعبة) وهلل الجيش العربي الإسلامي بهذه البشرى فعمت الفوضى وانكسر الجيش الفارسي شر كسيرة واندحرت بقايا قواته بعد أن ذاع خبر مقتل قائده العام ولاذت بالفرار سباحة عبر نهر العتيق فأدرك الفرات بعضهم وغرق كثيرا منهم غير إن مجموعة من الجيش الفارسي دافعت عن رايتهم المعروفة بـ(درفش كافيان) وكانوا قد حفروا الخنادق حولها ودافعوا عنها بعناد وثبتوا حتى النهاية فقد حمل عليهم سلمان بن ربيعة الباهلي وتمكن من قتلهم واخذ الراية منهم , وقد اضطربت بعض المصادر حول تحديد هوية قاتل رستم من بين أربعة آخرين وربما إنهم استهدفوه جميعهم وسنذكر هنا ما قيل بصدد ذلك فقد ذكر البلاذري انه احد الأربعة الذين ساروا لأجل ذلك وهم عمرو بن معد يكرب الزبيدي , وطليحة بن خويلد , وضرار بن الازور الاسدي ,وقيس بن المكشوح المرادي الذي ادعى انه قاتل رستم وقد ورد بشعره لما قال/ـ
فلما أن رأيت الخيل جالت
قصدت لموقف الملك الهمام
فاضرب رأسه فهوى صريعا
بسيف لا افلّ ولا كهـام
وكما أسلفنا فقد صاح القعقاع بصوته منشدا ومترنما ببشائر ذلك النصر العربي الإسلامي الكبير الذي دخل التاريخ من واسع أبوابه بعد فشل كل المحاولات المستميتة التي بذلها الفرس قبيل النهاية لاستعادة مواضعهم وسد النقص الحاصل جرّاء المعركة الليلية الاستنزافية وبتلك التضحيات الجسام فقد بلغت خسائرهم بها نحو تسعون ألف وقيل مئة وعشرون ألف مقاتل لتستمر المعركة حتى النهاية بحصول القناعة إنها الساعات الحاسمة لتلك المعركة الضروس بيومها الثالث والأخير وقد ذهبت بعض الروايات إن مجمل تلك الخسائر الجسيمة قد بلغت نحو ثلاثمائة ألف قتيل مما استنزفته من خسائر جسيمة بواقعة وملحمة تاريخية كبرى سجل مجرياتها التاريخ وحفظها للأجيال.
مطاردة فلول الفرس
وإتمام تحرير العراق
بعد أن انتهت المعركة ولم يبقى للقوات الفارسية أي اثر وجهد يرى فقد أتى وقت الاستراحة لذلك الجيش المنتصر والذي أنهكه القتال المستمر فأوكل مطمئنا للنساء والصبيان بمهمة ميدانية هي تطهير الميدان من خلال معالجة وإخلاء جرحى المسلمين والإجهاز على الآخرين فتقدمن من منطقة العذيب التي كانت بمثابة القاطع الخلفي للمعركة نحو ميدان وموقع القادسية, وقد ورد إن أم كثير زوجة همام بن الحارث النخعي إنها قالت( شهدنا القادسية مع أزواجنا فلما أتانا إن قد فرغ من الناس أي الفرس شددنا علينا ثيابنا وأخذنا الهراوى أي العصي ثم أتينا القتلى والجرحى فمن كان من المسلمين سقيناه ورفعناه ومن كان من المشركين أجهزنا عليه وتبعنا الصبيان نوليّهم ذلك ونصرفّهم به).
أما فلول الفرس الهاربة التي تمكنت من عبور العتيق سباحة وغيرها التي عبرت من الردم الذي كان قد أحدثه رستم فقد سارت وتولى انسحابها الجالينوس بعد مقتل رستم ولم تفكر بان أحدا سيتبعها لكن القائد سعد بن أبي وقاص لم يضع الوقت فقد أمر القعقاع بمطاردة فلول الجيش الفارسي المنكسر فباشر بالمطاردة من فوره بفرقة كبيرة ثم أعقبه زهرة بن الحوية التميمي بفرقة أخرى فلاحقا فلول الفرس وأوقعا بهم خسائر جسيمة وفادحة أخرى وحدث ذلك بين القادسية والبرس أي الديوانية والحلة ولم يسمحا للقوات الفارسية بإعادة تنظيمها والتجمع وطارداها بحزم وتمكنوا من القضاء على حامية البرس الحلة ونصبوا جسرا على الفرات كي يعبروا إلى بابل منطقة الآثار العراقية التاريخية والتي دارت حولها معركة ضارية فقد كان الجالينوس يحاول عبثا صد ذلك الهجوم العربي الإسلامي الكاسح الذي جسدته قوات المطاردة البطلة التابعة للجيش العربي الإسلامي الجسور الذي انطلق يحمل بذرة ونشوة النصر الكاسح المتحصل بالإيمان على جنح حب الشهادة بالطاعة لله والذي حازه بين الأمم فكتب له أن يخط فيما بعد آثاره على ألواح القدر.
وقد تمكن البطل الجسور زهرة بن الحوية من قتل القائد البديل للجيش الفارسي المنكسر وهو الجالينوس فتشتت مرة أخرى فلول الفرس وبقتل الجالينوس وانهيار الجيش الفارسي لم يبقى لتحرير العراق كاملا سوى الاستمرار بمطاردتهم وطردهم حتى المدائن التي كانوا يتمركزون بها ويتخذونها عاصمة لهم على ارض العراق العربي, أما البلاذري فانه ذكر بان قاتل الجالينوس هو كثير بن شهاب الحارثي .


العراق عروبته اسلامه تحريره
معركة القادسية
تحرير المدائن


تحرير المدائن
بعد الهزيمة الكبيرة والكسيرة الذي حظي بها جيش الدولة الفارسية بالعراق في نيسان 637م بات من اللازم على الجيش العربي الإسلامي أن يستثمر عرى نصره للغاية التي أتى بها وهي استكمال مسعى تحرير العراق وهو المسعى الذي انطلق في عهد الخليفة أبى بكر وتم استكماله في عهد الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنهما وكما أسلفنا فان قوات المسلمين بقيادة القعقاع وزهرة بن الحوية كانت طاردت القوات الفارسية المتقهقرة حتى بابل وحدها ثم اشتبكت معها في معركة كبيرة جوار منطقة الآثار البابلية التاريخية في الحلة وبقيت ترابط هناك بعد تحرير برس وبقيت ترابط قوات القعقاع وزهرة في بابل إلى جانب القوات ألأخرى في الكوفة وفي الحيرة أما بقية الجيش فبقي في القادسية أي الديوانية اليوم ولم يتم المضي بمطاردة القوات الفارسية إلى العمق حتى طيسفون أي المدائن وذلك بسبب التضحيات الكبيرة التي قدمها الجيش العربي الإسلامي التي بلغت نحو ثمانية آلاف وخمسمائة شهيد إلى جانب نحو عشرة آلاف جريح ناهيك عن الإرهاق والضغط الحاصل جراء الاستمرار بالقتال وأيضا ضرورة إعادة التعبئة فالجيش الإسلامي الذي قوامه نحو ستة وثلاثين ألف مقاتل فقد قرابة ربعه في تلك المعركة الضروس ولكل تلك الأسباب مجتمعة ربما تكون المطاردة قد توقفت في منطقة بابل بعد الانتصار الأخير ومقتل الجالينوس القائد الفارسي البديل وتشتيت قواته وبعد مضي نحو شهرين من القادسية وقد تكون لأجل شفاء جرحى المسلمين من جراحهم وربما للحاجة الماسة إليهم قرر بعدها القائد سعد بن أبي وقاص الاستئذان من الخليفة للتقدم بالجيش نحو المدائن لتحريرها من الفرس وإذن له فقام بتعيين خالد بن عرفطة آمرا على المقدمة ولحقه بالقوات المتواجدة في بابل ثم قام بعدها بالتحرك بباقي الجيش وقد استمر بالتقدم حتى وصل بالجيش إلى بابل ومن هناك استمر الجيش بالتقدم والتحق بقطعات زهرة بن الحوية وخالد بن عرفطة التي أبلت بلاء حسنا .
فتح دير كعب
لم يبقى للفرس سوى محاولة صد الهجوم العربي الإسلامي من خلال إصدار الأوامر بالمقاومة حتى النهاية بغية الحفاظ على المدائن لذا فإنهم استماتوا في منطقة دير كعب لما جرت بها معركة كبيرة انتهت بمقتل القائد الفارسي النخير خان وانتصار المسلمين وأبيدت الحامية الفارسية وقد كان الذي تمكن من قتله هو الفارس العربي زهير بن سليم الازدي الذي قفز عليه من على ظهر فرسه وأسقطه على الأرض وتصارع معه واستل خنجرا كان يحمله النخير فقتله به .
فتح ساباط
اندفع الجيش العربي الإسلامي ساحقا أية مقاومة تعترضه في طريقه لتحرير المدائن حتى وصل إلى ساباط على ضفة دجلة اليمنى وهي إحدى مدن المدائن السبع على جانبي نهر دجلة وحصلت مقاومة من حاميتها ولكنها سرعان ما أبيدت وتم تحرير ساباط.
فتح رومية
بعد تحرير ساباط انطلق سعد بجيشه تجاه المدائن فوصل إلى رومية وهي إحدى مدن المدائن بعد ساباط فقبلت المدينة الصلح.
فتح بهرسير
عندما وصل الجيش الإسلامي إلى مدينة بهرسير قاومت خلف أسوارها التي كانت حصينة ورشقت حاميتها السهام والنبال على الجيش فاضطر سعد إلى حصارها ودام ذلك الحصار نحو تسعة اشهر وقد نصب حولها عشرون منجنيقا ترميها باستمرار حتى استسلمت وفر من تمكن من حاميتها إلى الجهة الثانية صوب المدائن حيث يقبع كسرى يزدجرد في الإيوان خلف آخر قواتهم وقد بهر المسلمون وهم ينظرون إلى ما واعدهم الحبيب المصطفى وهي مدينة المدائن تلك المدينة الضخمة على الجانب الآخر من النهر يتوسطها قصر كسرى المسمى ابيض المدائن فصاح ضرار بن الخطاب (الله اكبر هذا ما وعد الله ورسوله).
العراق عروبته إسلامه تحريره
معركة القادسية
اكتمال تحرير العراق
الفصل الاخير
العبور الاول
حين وصلت طلائع الجيش العربي الإسلامي إلى ساباط قام الفرس بإحراق الجسر المؤدي إلى المدائن والذي كان يربط بين ضفتي نهر دجلة وإخلاء كافة المعابر والزوارق في محاولة يائسة لإعاقة تقدم وعبور قوات المسلمين وقد كانت مياه دجلة وافرة وتشكل مانعا عسيرا واجتيازه خطورة كبيرة غير إن استسلام بهرسير في الجانب الغربي كان قد سهل العبور إلى قلب المدائن وقصرها الأبيض الواقع في الجانب الشرقي وتم اختيار منطقة العبور من قبل القائد سعد وهي جوار قرية الصيادين كما ذكر البلاذري وكان سعد قد نظّم كتيبتين خيالة هما الأهوال والخرساء وتلك هي الأسماء التي أطلقها عليها وكانت كل واحدة منهما تحوي ستمائة فارس وعين قائدا على الأولى عاصم بن عمرو التميمي وعلى الثانية القعقاع بن عمرو التميمي ثم أوعز أن تتحرك للعبور بصمت خوضا وسباحة كلا الكتيبتين عند الفجر وان تتولى كلتاهما إعادة المعابر والزوارق في الضفة الثانية إلى جانب حماية باقي القطعات العربية الإسلامية المستعدة للعبور في حال وصولها وقد ألقى سعد خطابا لإثارة حماسة الجند قال فيه(إن عدوكم قد اعتصم منكم بهذا البحر فلا تخلصون إليه منه, وهم يخلصون إليكم إذا شاءوا, فيناوشونكم في سفنهم وليس وراءكم شيء تخافون أن تؤتوا منه, فقد كفاكموهم أهل الأيام وعطلوا ثغورهم وافنوا, ذاتهم أي حامياتهم,وقد رأيت من الرأي أن تبادروا جهاد عدوكم بنياتكم قبل أن تحصركم الدنيا إلا إني قد عزمت على قطع هذا البحر إليهم ,أي عبوره,) وهنا هتف المسلمون(عزم الله لنا ولك على الرشد فافعل).
العبورالاول
عند الفجر باشر قائد كتيبة الأهوال عاصم بن عمرو بتنفيذ الواجب الموكل لكتيبته فقرر أن يبدأ بالعبور بنفسه أولا ثم اختار معه ستين فارسا بالتطوع ليكونوا في صدارة عملية العبور على أن تتبعها بقية الكتيبة كما بلغ باستخدام الرماح عند العبور وخلاله كسلاح مناوشة على البعد وقد أثار حماسة كتيبته لما قال(أتخافون من هذه المنطقة ثم تلا قوله تعالى من سورة آل عمران, وما كان لنفس أن تموت إلاّ بإذن الله كتبا مؤجلا) ثم لكز فرسه فقفزت وسيط المياه وشقت عباب الموج الهائج والهادر وتبعه بذلك الستون فارسا فتشجع باقي فرسان الكتيبة ولحقوا بأصحابهم وتعجب الفرس في الجانب الآخر من النهر وصاحوا إنهم مجانين لما ذهلوا من الموقف فصاح احدهم( إنكم والله ما تقاتلون إنساّ بل تقاتلون جِنّا).
ثم أردفت كتيبة الخرساء وكان في مقدمتها قائدها المغوار القعقاع بن عمرو وعبرت الكتيبة بشجاعة نظيرتها وسيط متابعة القائد الذي لحظ احد جنوده وقد سقط في الماء فهرع إليه وجره من يده وسحبه من النهر وعبر به فقال ذلك الجندي(أعجزت الأخوات إن يلدن مثلك يا قعقاع) ثم اكتمل عبور الكتيبتين بسلام ونجاح.
وقد حاول الفرس إعاقة عملية العبور إلى المدائن لما بعث القائد الفارسي بقطعات الخيالة لمواجهة المسلمين قبل ن يخرجوا من النهر لكن عاصم بن عمرو قائد كتيبة الأهوال تنبه لذلك فصاح بجنده ( الرماح ,الرماح,أشرعوها وتوخوا العيون) ويقصد استهداف أعين خيول الأعداء لإرباك موقفهم وتم ذلك بالفعل وحدثت معركة جرى فيها ما كان لازما وجفلت خيول الأعداء واجبروا على التراجع من ضفة النهر وفروا وتركوا مواقعهم وفشلت محاولة الفرس بتعويق الهجوم ونجح عبور جميع مقاتلي كتيبتي جيش المسلمين ولم يصب منهم سوى فارس واحد هو سليل بن يزيد بن مالك السنبسي ثم سرعان ما تم جمع كافة الزوارق والمعابر من قبل فرسان كتيبتي عملية العبور وأعيدت إلى الضفة الأخرى ليتم عبور جميع المقاتلين بالجيش إلى جهة المدائن وقصر كسرى وكان كسرى ملك الفرس قد ترك المدائن وفر هاربا .
عبور الجيش
وبعد نجاح العبور الأول أمر القائد سعد بن أبي وقاص جيشه بالعبور فنزلوا كالرعد حتى لم يعد يرى من الماء شيئا سوى الخيل والرجال وكان سعد يرقب ذلك وجواره الصحابي الجليل سلمان الفارسي رضي الله عنهما فقال سعد (حسبنا الله ونعم الوكيل والله لينصرن الله وليه وليظهرن دينه وليهزمن الله عدوه إن لم يكن في الجيش بغي أو ذنوب تغلب الحسنات) فقال له سلمان(ذللت لهم والله البحور كما ذللّ لهم البر أما والذي نفس سلمان بيده ليخرجن منه أفواجا كما دخلوا أفواجا) وفعلا خرج الجيش بأكمله ولم يغرق منه احد وجرى نقل الباقين في الزوارق.
فتح المدائن
كانت المدائن تسمى بالفارسية طيسفون أو توسفيون أو قطيسفون أو طيسبون وهي سبع مدن على جانبي الفرات كانت أبرزها الأخيرة تلك التي بها قصر كسرى وبعد القتال على ضفة النهر لم يلقى المسلمون مقاومة تذكر فقد تقدم الجيش العربي الإسلامي بقيادة سعد بن أبي وقاص داخل المدائن فوجدوا المدينة شبه خاليه عدا بعض الفلول التي تحصنت بقصر المدائن القصر الأبيض أو ابيض المدائن كما اسماه العرب ثم سرعان ما فتحت أبواب القصر وأذعنت حامية المدينة للصلح وانتهى أمرهم وسار سعد وسلمان الفارسي والقعقاع وعاصم وباقي القادة من الصحابة رضوان الله عليهم إلى داخل القصر والإيوان وتلى سعد من سورة الدخان(بسم الله الرحمن الرحيم كم تركوا من جنات وعيون وزرع ومقام كريم ونعمة كانوا فيها فاكهين كذلك وأورثناها قوما آخرين فما بكت عليهم السماء والأرض وما كانوا منظرين. صدق الله العظيم) وقد وصف ابن كثير في كتابه البداية والنهاية ذلك المشهد الكبير منبهرا فيه فقال( وكان يوما عظيما وأمرا هائلا وخطبا جليلا وخارقا باهرا ومعجزة لرسول الله صلى الله عليه وسلم خلقها الله لأصحابه لم ير مثلها في تلك البلاد ولا في بقعة من البقاع).
وغنم المسلمون غنائم كبيرة هائلة وزعت على الجيش وأرسل بالخمس منها إلى الخليفة عمر رضي الله عنه في المدينة مع القائد بشير بن الخصاصية وقد دهش الخليفة لكثرة الغنائم فقال لمن حوله من الصحابة رضوان الله عليهم (إن قوما أدّوا هذا لأمناء) فقال له الإمام علي رضي الله عنه بشهادة حقّة ومنصفة لصاحبه الخليفة الفاروق (انك عففت فعفّت رعيتك ولو رتعت لرتعت) ثم قسم الخليفة الغنائم بين الناس وقد كان بين الغنائم بساط لكسرى وهو مرصع بالذهب والجواهر وكان حجمه كبيرا وقد بعث به القائد سعد بعد أن استأذن أصحابه لما قال لهم( هل تطيب أنفسكم عن أربعة أخماس هذا البساط فنبعث به إلى عمر يضعه حيث يشاء فانا لا أراه ينقسم وهو بيننا قليل وهو يقع من أهل المدينة موقعا) ولما رآها عمر رضي الله عنه قال لصحبه (أشيروا عليّ في هذا القطيف) فقالوا له الرأي رأيك فقد جعل لك وقال بعضهم انه لأمير المؤمنين لا يشاركه فيه احد ولكنه رفض كل ذلك فقال الإمام علي كرّم الله وجهه ورضي عنه في شهادة أخرى للفاروق(لم يجعل الله علمك جهلا ويقينك شكّا انه ليس لك من الدنيا إلا ما أعطيت فأمضيت أو لبست فأبليت أو أكلت فأفنيت وانك إن تبقه اليوم على هذا لم تعدم في غدٍ من يستحق به ما ليس له) فقال عمر (صدقتني ونصحتني) وأمر بتوزيعه كله بين الناس .
وبعد أن تم تحرير المدائن انطلق منها القائد سعد بن أبي وقاص راجعا إلى الحيرة بعد أن عين واليا وعاملا عليها الصحابي شرحبيل بن السمط وقد أعقبه الصحابي الجليل سلمان الفارسي في عهد الخليفة عثمان رضي الله عنه وكان أول قاضي عين بها هو سلمان بن ربيعة الباهلي الملقب بسلمان الخيل ولاه الفاروق رضي الله عنه.
أما عن كسرى ملك الفرس فقد لاذ بالفرار إلى ما بعد جلولاء في حلوان قصر شيرين وترك قوات علها تفلح في إعاقة الهجوم الكاسح ولكن هيهات فلم تصمد وقد انسحب يزدجرد إلى حلوان وهي قصر شيرين اليوم قرب سلسلة جبال زاكروس لكن التمترس كان في جلولاء كموقع دفاعي خارج إيران أملا في إيقاف الهجوم على بلادهم وكان قائد الجيش الفارسي هو مهران الذي قام بتحصين المدينة على عجل وحفر خندقا أمامها عله يفلح في إعاقة تقدم الجيش العربي الإسلامي .
حصار جلولاء ومعركتها
بعد تحرير المدائن وفرار الفرس إلى جهة إيران أصدر القائد سعد أمرا إلى هاشم بن عتبة وقواته بالتقدم إلى جلولاء للحاق الفرس ومطاردتهم ووضع بإمرته جيشا بتعداد اثني عشر ألف مقاتل وقد بين البلاذري بان سعد لم يمكث بالمدائن إلا أياما وكان هو الذي دفع بالجيش نحو جلولاء لكن الإمام الطبري ذكر بان ذلك كان بأمر الخليفة عمر بن الخطاب وبينه بجلاء لما قال (سرّح هاشم بن عتبة إلى جلولاء في اثني عشر ألفا واجعل على مقدمته القعقاع بن عمرو وعلى ميمنته مسعود بن مالك بن عتبة واجعل على ساقته عمرو بن مرة الجهني) واحسب إن ذلك هو الأقرب للدقة فحركة الجيش لم تكن لتحصل إلا بأمر من الخليفة كما إن البلاذري يخالف الطبري أيضا في شخوص جيش المطاردة وان قائد الفرس هو خرّزاد اخو رستم في عمومه تقدمت القوات العربية الإسلامية صوب جلولاء ولما وصلوا قربها وجدوا قوات فارسية مرابطة لتعويق التقدم إلى جلولاء فدرات بينهم معركة كبرى في الخامس من تموز من عام 638م وقد انتصر بها المسلمون بعد أن حاصروا حامية جلولاء داخل أسوارها لثمانين يوما بدأ من الخامس عشر من نيسان 638م وكان مهران القائد الفارسي قد قرر أن يبادر بالخروج بقواته للقتال بعد هذه المدة فأوعز بالهجوم على العرب فدارت معركة ضارية كان النصر في نهايتها للمسلمين وكان دور القعقاع وكتيبته بارزا كما في كل مرة فقد حصل قتال شديد يذكره البلاذري ( فاقتتلوا قتالا شديدا لم يقتتلوا مثله رميا بالنبل وطعنا بالرماح حتى تقصفت وتجالدوا بالسيوف حتى انثنت) أما الإمام الطبري فانه يذكر( بأن مهران هاجم المسلمين بعنف فخطب في رجاله هاشم بن عتبة قائلا( ابلوا في الله بلاء حسنا يتم عليكم الأجر والمغنم واعملوا لله) أما ابن كثير فقد وصف المشهد الحاسم كما بين دور القعقاع بإثارة الحماس وذكر (فاقتتلوا قتالا شديدا لم يعهد مثله حتى فنى النشاب بين الطرفين وتقصفت الرماح مع هؤلاء وهؤلاء وصاروا إلى السيوف والطربزينات أي الفؤوس وحانت صلاة الظهر فصلى المسلمون ايماءً وذهبت فرقة من المجوس وجاءت أخرى مكانها فقام القعقاع بن عمرو وصاح بالمسلمين قائلا( أهالكم ما رأيتم أيها المسلمون) قالوا نعم إنّا كالّون وهم مريحون فقال(بل إنّا حاملون عليهم ومجدّون في طلبهم حتى يحكم الله بيننا فاحملوا عليهم حملة رجل واحد حتى نخالطهم) وحاول القعقاع أن يجتاز الخندق الذي ضرب حول المدينة بحلول الظلام وقد كان القتال موشك بان ينتهي لكنه فكر بخدعة فأوعز إلى جنده بان يذيعوا في الجيش بان القائد عتبة قد اجتاز الخندق لكي يثير حماسة وحمية أولئك الجند لإنقاذ قائدهم فقال( يا معشر المسلمين هذا أميركم قد دخل الخندق واخذ به فاقبلوا إليه ولا يمنعكم من بينكم وبينه من دخول ) وكان الخندق قد فرش بمسامير الحديد الشوكية التي تنبت في حوافر الخيول لتعيق الحركة لكن حيلة القعقاع نجحت ثارت حماسة الجند وحملوا حملة صادقة وقاتلوا بعنف فلما وصلوا لم يجدا هاشما وإنما وجدوا القعقاع قد احتل قسما منه وتمكن من القضاء على الفرس قرب احد الأبواب بعد حوصروا بين الخندق والباب ثم انتصر المسلمون وكبدوا الفرس خسائرا كبيرة ووصفت تلك المعركة بأنها لاتقل أهمية عن القادسية.
معركة خانقين
استمر القعقاع وقواته بمطاردة فلول الجيش الفارسي المندحر ولم يعطهم الفرصة بتجميع قواهم فتقدم إلى خانقين حيث كان الفرس قد أقاموا موضعا آخر عله يفلح في إعاقة تقدم الجيش العربي الإسلامي صوب حلوان قصر شيرين إلا إن القعقاع استمر باندفاعه وإصراره وباشر هجومه على المواضع حول خانقين ثم تقدم وخاض معركة شديدة أخرى تمكن فيها من إجبار الحامية الفارسية على التخلي والتراجع عن خانقين والفرار خارجها بعد أن كبدها خسائر كبيرة فدخل الجيش الإسلامي خانقين منتصرا ومحررا كما دخل كل المدن العراقية الأخرى .

معركة حلوان
لم تتوقف مطاردة القعقاع عند هذا الحد مطلقا بل انه استمر بالمطاردة لفلول الفرس ولم يضع الوقت بعد الانتصار في خانقين بل اندفع صوب حلوان في داخل إيران وكان يعتقد إن كسرى لما يزل فيها لكن كسرى كان قد ترك حلوان وفر إلى داخل إيران في الريّ أي طهران فقرر القعقاع أن يقضي على حامية حلوان حتى لا يعود الفرس إلى جلولاء بعدها وكان القعقاع قائدا جسورا شجاعا حد التهور أحيانا فقام بهجومه على حلوان وقضى على حاميتها وانتصر ولاذ فلول الفرس من أمامه بالفرار , وقد كان لإصرار وبطولة القعقاع دورا كبيرا ومن هذا وغيره خاصة بمسعى تحرير العراق يتضح السبب الرئيس وراء الحقد على هذا الرجل لدوره البارز في إدارة دفة المواقف الحاسمة منذ معركة القادسية وحتى اللحظة الأخيرة بمطاردة الفرس خارج العراق.
معركة قرماسين كرمنشاه
بعد التقدم الذي أحرزه القعقاع وأخبار انتصاراته بالمطاردة أوعز القائد هاشم بن عتبة إلى القوات المرابطة في جلولاء وهي الكتيبة البجلية بالتقدم إلى قرماسين بقيادة جرير بن عبد الله البجلي وبحركة ناجحة أطبقت القوة المتقدمة على حامية كرمنشاه ولم تتمكن من الدفاع عن نفسها فاستسلمت ورضخت للصلح.
نهاية الإمبراطورية الفارسية
توقف المطاردة واستئنافها
بعد الانتصارات والتقدم الخاطف الذي حققته القوات الإسلامية في داخل إيران كتب القائد سعد بن أبي وقاص إلى الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه يستأذنه باستئناف التقدم ومطاردة فلول الجيش الفارسي المندحر داخل بلاد فارس إلا إن الخليفة لم يوافق بالمضي بتلك المطاردة واجتهد لإيقافها حرصا لحقن الدماء وحفظا للسلام وسلامة أنفس المسلمين وهي عنده على من الغنائم والانتصارات وكان أمره بإيقاف التقدم هو(وددتُ لو إن بين السواد أي العراق والجبل سدا لا يخلصون إلينا ولا نخلص إليهم حسبنا من الريف السواد إني آثرت سلامة المسلمين على الأنفال ) إلا انه اضطر فيما بعد لان يأمر باستئناف التقدم والدخول بالحرب بمعركة أخرى كلفت المسلمين خسائر كبيرة وهائلة غير إنها أنهت الإمبراطورية الفارسية وقضت عليها بمعركة نهاوند همدان التي استشهد فيها القائد النعمان بن مقرن المزني .
العبرة والخلاصة من مسعى تحرير العراق
لما استكمل المسعى المشّرف لتحرير العراق ونال نصرة الله على جنح التضحيات الجسام لإخواننا المؤمنين من ارتال الصحابة الاكارم الذين جادوا بأرواحهم الزكية لأجل تحقيق مسعى نبيل يهم صالح الأمة وقد بدأت بوادره منذ بواشير لقاء الوفد العراقي الذي زار الرسول محمد صلى الله عليه وسلم وشرح معاناة شعبه الرازح تحت نير الظلم فبشر الحبيب بانطلاقته ونصرة الأمة فيه فانطلق بعهد الخليفة أبى بكر رضي الله عنه واستكمل واستأنف بعهد الفاروق الذي تكفل به ورعاه حتى عاد العراق إلى حاضنته العربية متشرفا ومزهوا بالإسلام فحلَّ من الأمة العربية والإسلامية موضع الرأس من الجسد كما عينه الفاروق رضي الله عنه حين قال العراق جمجمة العرب أي راس الجسد العربي وأنى لجسد أن يستمر ويحيا بفقدان رأسه وهذه امتنا تتهاوى وتحف بها الأخطار وتحالفات الأعداء المتكالبين وقد حذر المصطفى من سبل التداعي على امتنا بسبب وهننا رغم كثرتنا فلا كرامة للأمة ولا كيان ولا بقاء لها ما لم تستطع الحفاظ على العراق الذي دفعت لاجل تحريره كل تلك التضحيات الجسام التي لن تذهب سدى ما أن يسترجع العراق وحتى يعود الرأس لجسد امتنا فتعود مصانة قوية مهابة لتسترجع هيبتها بين الأمم وتأتي بأكثر من صلاح الدين يسترجعون أقداسنا وينتخون لباقي أوصال امتنا الإسلامية الجريحة في عموم أرجائها.
الخاتمة
وجب أن لا نفقد وأجيالنا الأمل رغم اضطراد وتزايد الظلم والاستقواء والحيف علينا فان الأمل لمعقود بنواصي المآب والعودة إلى النبع لما نصلح أنفسنا فنقترب من نهج أناس صدقوا مع الله وبذلوا أنفسهم متشرفين للقاء ربهم بأنبل فداء فمكنهم من تحرير العراق ونصرهم على أعدائهم رغم قلتهم ورغم الفارق الكبير بين عديدهم فدعونا لاننسى إن ذلك مؤملا وممكنا متاحا ما إن عدنا لما يقربنا من نهج أسلافنا وانتهلنا من ذلك النبع.
اللهم وفق أخيار امتنا لما تراه خيرا لها ولنا.
الإهداء
أما والله فاني كتبته كلمة كلمة وحرفا حرفا لأهديه إلى أرواح الشهداء الزكية من غيارا المسلمين والى جناب والدي وأولادي والى كل أحرار أمتي الإسلامية وحرائرها الغيارى من المتابعين لهذا الشأن والى الأجيال كي لا يفقدوا الأمل يوما بعودة العراق.
المصادر
1/تاريخ الأمم والملوك/الطبري 11/أسد الغابة/بن الأثير
2/سيرة بن هشام/بن هشام 12/المعارف بن قتيبة
3/فتوح البلدان/ البلاذري 13/تاريخ العرب قبل
4/تاريخ عمر بن الخطاب/ابن الجوزي الإسلام /جرجي زيدان
5/تجارب الأمم ج1/ بن مسكويه 14/الفتح العربي للعراق
6/الكامل/ بن الأثير وفارس /محمد فرج
7/فتوح الشام/الواقدي 15/المثنى بن حارثة/
8/مروج الذهب/المسعودي محمد فرج
9/معجم البلدان/ياقوت الحموي 16/معارك العرب الحاسمة/
10/البداية والنهاية/بن كثير صبحي عبد الحميد
17/الفاروق عمر/محمد حسنين هيكل 21/القيادة الناجحة/صالح
18/الصديق أبو بكر/= = = مهدي عماش
19/الفتوحات الإسلامية/ احمد بن دحلان22/من ذي قار إلى
20/قادة فتح العراق/محمود شيت خطاب القادسية/= = =


No comments:

Post a Comment