لقد أسس العرب لّما أسكنوا ما بين النهرين مدنية ذي حضارات رائعة وتركوا هنالك آثارا لما تزل دالة عليهم وليس هنالك ما يوازيها بكل المقاييس بالرقي نظرا لبدايات تلك الحقب فالأكديون والآشوريون والكلدانيون هم من العرب وقد سجلوا بفخر سبقا تاريخيا رائدا جللته روائع الملاحم التاريخية لبلاد السواد ولا شك في عروبتهم خصوصا عندما يتم التسليم بعروبة الخلق في بدايات الخليقة المسندة تاريخيا وهي التي تفسر تحول قسم من العرب البائدة إلى أسماء ومناطق أخرى بعد ما أصابهم ونالهم وعندما ضعف تأثيرهم السياسي وقد أفردنا في ذلك الكثير في بحثنا المنشور تحت اسم القومية العربية وموقعها في خطها البياني وسنمر هنا بعجالة لإثراء بحث عرب العراق..
من المعلوم إن دولة عاد الأولى التي نشأت في جنوب اليمن وحضرموت وعمان وقد كان عاد أول ملك عربي وخلفاؤه هم الذين مدوا دولتهم صوب الشام والعراق ، ثم بعث هود نبيا فمن امن معه كانت عاد الثانية وقضي على الآخرين بريح صرصر كما يخبرنا القران الكريم .
ومن العرب البائدة أيضا قبيلتا طسم وجديس في اليمامة أي الإحساء والقطيف الحاليتين إلى جانب العمالقة وهم الهكسوس الذين دخلوا مصر وبقوا فيها وعربوها منذ ذلك الحين ، ومن بعدهم أتى القحطانيون من العرب العاربة من سكان الجزيرة وبالأخص اليمن وكان من المع رجالاتهم يعرب بن قحطان الذي عاصر عاد الثانية في اليمن والعمالقة في الحجاز .
وكان له إخوة منهم عاد وعمان وأعطاهم الولاية على البلاد التي سيطر عليها فكانت ولاية عمان بن قحطان على عُمان الحالية, وكان ابنه يشجب الذي ولد له ولد فيما بعد وسمي عبد شمس ولقب بسبأ هو صاحب مدينة سبأ والذي بنى سد مأرب وقد ولد لسبأ هذا نسل كثير ومن أشهر أولاده كهلان وحميَر ، وعندما حكم حمير أسس دولة عرفت باسمه وهي دولة الحميريين ومن ملوكهم الحارث الرائش وابنه ذو النار ثم الملكة بلقيس التي تنازلت عن عرشها للملك سليمان عليه السلام إلا إن التبابعة قومها لم يرضوا بذلك واستعادوا 
الملك بعدئذ..
أما عن العدنانيين من العرب المستعربة من أبناء إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام وفي التشكيك بعروبة إبراهيم تجاوز تاريخي كبير ودس يريده الأعداء فهو من عرب العراق الذين عاصروا السومريرن وقد كشفت التنقيبات عن بيته ومعبد أهله في مدينة أور بمحافظة ذي قار العربية الأصيلة التي يشهد التاريخ بعروبتها منذ الأزل ، وسيلي هنا دور أهلها الكبير في مقارعة الفرس تاريخيا وحتى أيامنا الراهنة..
وقد أراد الله أن يرتحل إبراهيم عليه السلام ليسكن فيما بعد ذريته أي ولده إسماعيل عليه السلام وأمه في قلب جزيرة العرب وفي ذلك المكان المقدس الذي تحج إليه منذ ذلك اليوم وحتى الساعة الخلائق ، ثم تزوج إسماعيل عليه السلام فيما بعد فتاة من قبيلة جرهم العربية وولد له أولاد كثر لم يعش منهم إلا عدنان الذي أنجبت من ظهره تباعا قبائل تعرف اليوم بالعدنانيين الذين عاشوا في الحجاز ونجد ثم تفرقوا في العراق وشمالي شبه الجزيرة العربية ، وقد تزوج معد بن عدنان من بنت الحارث بن مضاض الجرهمي والتي ولدت له نزاراً ونزار هذا تزوج فيما بعد وولد له أربعة أولاد هم مضر وربيعة وإياد وانمار وكانت لأبناء مضر الزعامة لقوتهم وكثرتهم ..
وأما بنو ربيعة فقد انتشروا شرقي الجزيرة والعراق ومن ربيعة جاء بنو أسد نسبة لأسد جدهم ابن ربيعة ومن ربيعة أيضا جاء جديلة ومن قبيلة جديلة أتت بكر وتغلب وهم من أبناء وائل بن قاسط ومن بكر أيضا ولد ثعلبة الذي أنجب ثلاث أولاد هم شيبان وقيس وذهل ، ومن شيبان جاء الشيبانيون قبيلة بني شيبان ومنهم هانيء ابن مسعود ومسعود بن هانيء والمثنى ومن شعراء بكر طرفة بن العبد صاحب المعلقة الشهيرة,.
عموما هذا فيما خص المنطقة ولنعد أخيرا إلى العراق أما ما قيل عن السومريون والخلاف الحاصل بشأنهم حول عروبتهم فليس هنا مجالا لمناقشته لذا فان الغالب رأيا بان العراق هو عربي وذلك هو أمر قائم حتى اليوم وان غالب أهله هم من العرب النازحين من شبه الجزيرة العربية ومدنهم أور والوركاء ونفر وبابل ونينوى ومن ثم أعقبتهم دفعة عربية كبيرة حتى غطت العراق وانشئوا حضارة أخرى وكانت لهم عاصمة متحالفة مع فارس وهي مدينة الحيرة في وسط العراق إلى جانب الحضر جنوبي غربي الموصل وكان هؤلاء من قبائل بكر بن وائل ومنهم بنو شيبان الذي منهم البطل الكبير المثنى بن حارثة الشيباني صاحب الدور الكبير في تحرير وصمود وإسلام أهل العراق وسنتوسع في مآثره فيما يلي من الأيام, وكانت منازل البكريين تمتد حتى الحيرة وهيت غربا...
لقد كانت القبائل العربية متساكنة ومتجاورة بالعراق وفي ذلك مقتضيات للاتفاق والخلاف على بعض المصالح العامة والخاصة ، فقد كانت تميم وهي عدنانية تجاور بكرا في السكنى ، ونرى في التاريخ إن هنالك الكثير من الصراعات بين بكر وتغلب وتميم مما تغنى به الشعراء حين كانت الحروب والملاحم من عادات تلك الأزمنة ، ومن رجالات ذلك الزمان من ذهب ذكرهم مثلا حتى اليوم كجساس بن مرة الذي كان بطلا صنديدا وهو الذي قتل كليب بن وائل فدارت بسبب ذلك حروب طويلة شهيرة راحت مضربا للأمثال حيث يقال أهو دم كليب في إشارة للثار لعزيز غال ، رغم إن هنالك الكثير مما نتصوره اليوم مبالغة في الوصف ولكننا لم نعش ذلك الزمان لنقيم فقد قال الشعراء بقصائدهم من الشعر ما يخبرنا عن الكثير من الذي قد نراه اليوم عجبا ومكابرة..
فمثالاً:
وإنا نورد الرايات بيضا*** ونصدرهن حمرا قد روينا
والآخر
إذا بلغ الرضيع لنا فطاما*** تخرُّ له الجبابر ساجدينا


يوم قضة
وكان يوما مشهودا من أهم الأيام بتاريخ سالف أيام العرب بالعراق وهو الذي انتصرت به بكر على تغلب انتصارا حاسما فطردتها من مناطق البحرين واليمامة ، وهنا امتدت منازل قبائل بكر ومنهم بنو شيبان حتى هيت على الفرات وبسبب النزاع بين عبد قيس وإياد سكنت قبائل إياد في سواد العراق .
صراعات القبائل بالعراق
امتدت الصراعات بالعراق حتى في أيام الرسول محمد صلى الله عليه وسلم وبدء ظهور الإسلام وانتشاره وقد كان بنو شيبان وهم كما ذكرنا بطن من ربيعة قد سكنوا البحرين والعراق مع قبائل عبد قيس وبقية قبائل بكر بن وائل وتميم في بادية العراق ..
وكان بالبحرين ملك يخضع لأوامر الفرس يسمى المنذر بن ساوى ونتيجة لاستمرار الصراعات بين بكر وتغلب تمكنت بكر من طرد تغلب من جنوب العراق وتجلى ذلك في واقعة (يوم الفرات) الشهيرة حين أجهز جيش البطل مثنى بن حارثة الشيباني زعيم بني شيبان على تغلب وطردها من العراق وقتل كثيرا من رجالها واغرق العديد منهم في نهر الفرات حتى لأصبح ذلك اليوم من أيام تاريخ العرب في العراق وإخوانهم في الجزيرة العربية وافتخرت بذلك بكر كلها وقال شاعر بني شيبان في حق المثنى وفرسه الدليكة
ومنا الذي غشى الدليكة سيفه*** على حين قد أعيا الفرات كتائبه
ومنا الذي شد الركي ليستقي ***ويسقي محضا غير صاف جوانبه
ومنا غريب الشام لم ير مثله*** أفك لعانٍٍ قد تنأى أقاربــــــــــــــه
فالذي غشي الدليكة هو المثنى والذي شد الركي هو مُرة بن همام وغريب الشام هو ابن القلوس بن النعمان وهنا ذكر بن الأثير عن بني شيبان ( أن ليس بالعرب اعز دارا ولا امنع جارا ولا أكثر حليفا من بني شيبان) .

ولقد عاشت قبيلة بني شيبان وبقية قبائل بكر بالعراق في أخصب مناطقه وأهمها في نظر القبائل العربية وحتى الدولة الفارسية الطامعة فهي في تخوم العراق مما جعلهم هدفا على الدوام ولكنهم طالما اتخذوا من الصحراء التي تتصل بالجزيرة العربية خير ظهيرا لهم على أطراف الفرات حين كانوا يتقون هجمات الغزاة من القبائل والفرس ...
لذا نرى إن التوسع في دراسة اثر تلك القبيلة على سير تاريخ العراق في بدايات الإسلام لهو مهم جدا فهي التي جمعت الروح الوثابة إلى الصمود الرائع بالقوة والشكيمة والصبر والعزيمة وثبتت برجالاتها في المآزق والمحن والحروب وضربوا أروع درجات الشجاعة والإقدام حد الهوس نتيجة ضروب الفروسية وافانين الحرب والقتال والنزال ومقارعة الجبابرة والأبطال سيما وقد كانت لهم كبير الخبرة في قتال الفرس على مر الدهر فكل تلك العوامل مجتمعة إلى جانب دعوة المسلمين للنجدة وتحرير ثغر الجزيرة هي التي يسرت تحرير العراق الذي تطلب فيما بعد انهرا من الدماء وتضحيات جسام حتى إتمام النصر...
في الجزء القادم مدن العراق العربية قبل الإسلام إلى جانب حضارة وكافة شخوص حكام العراق من العرب أمثال (جذيمة بن مالك وامرؤ القيس بن عمرو والنعمان بن المنذر).....

الحضر
وتقع في شمالي وسط العراق وهي عاصمة عرب العراق الشمالية ويرجح إن بانيها هو سنطروق الأول أو الساطرون كما اسماه بعض مؤرخي العرب وقد كان حكمه في النصف الأول من القرن الميلادي وحكمت سلالته العربية ثلاثة قرون , وقد ازدهرت الحضر بمدنيتها وحضارتها حتى تحولت لمركز تجاري هام في الشرق وقد كانت حصينة منيعة مسورة بأقوى الأسوار حتى إنها صدت وأفشلت هجوم الإمبراطور الروماني تراجان عام 117م كما وإنها أجبرت الإمبراطور الروماني سبتيموس سويرس على التراجع عن أسوارها بفشل حصاره لها في عام198/199م .
وقد ثبت إن للحضريون كفاءة عسكرية غير عادية ودراية بالفنون القتالية حيث إنهم قد ابتكروا أنواعا فعالة من الأسلحة النارية كالمقذوفات النارية الحارقة التي كانت تسمى بالنار الحضرية ومنها أنواع أخرى من القسي والنبال .
وقد كانت نهاية الحضر على يد سابور الأول الذي تمكن من قتل آخر ملوكها من العرب وهو الضيزن الذي توسعت دولته ووصلت بحدودها إلى المدائن جنوبا وكل حوض الخابور شمالا لكن ابنته النضيرة هي من خانه وأعلمت سابور على نقاط ضعف الأسوار المنيعة فدخلها وأوقع الضرر ببني قضاعة والعبيد خسائر هائلة وقد قال في ذلك عمرو بن آلة كما جاء في الأغاني
الم يحزنك والأنباء تترى***بما لاقت سراة بني العبيد
ومصرع ضيزن وبني أبيه***واحلاس الكتائب من يزيد
فهدم من رواسي الحضر صخرا***كأن ثقاله زبر الحديد
وأطلال الحضر حتى اليوم آية بالروعة وفن البناء وهي قائمة على مسافة 3كم من الضفة الغربية لوادي الثرثار وعلى مسافة 76كم غرب القيارة وتبعد 150كم جنوب غربي نينوى الموصل الحالية.

الحيـــرة
وتقع الى الجنوب من وسط العراق وعلى بعد ثلاثة أميال من الكوفة واسمها بحسب اللغة الآرامية حرتا أو حيرتو وتعني المخيم أو المعسكر أو الحصن أو الحاضرة وقد ذهب بعض المؤرخين إن بانيها هو الملك البابلي بختنصر أما سكانها الرئيسيون فهم من قبيلة الأزد وأول ملوكهم مالك بن فهم الذي رماه ابنه سليمة بسهم خطأ عن غير قصد وكان هو الذي دربه على الرماية فلما علم مالك إن ابنه سليمة هو الذي رماه انشد أبياتا ذهبت مثلا حتى أيامنا الراهنة
جزاني لاجزاه الله خيرا*** سليمة انه شرا جزاني
اعلمه الرماية كل يوم ٍ***فلما اشتد ساعده رماني
وان الحيرة مالبثت أن أصبحت مدينة كبيرة فيها القصور الكبيرة الشامخة والحدائق والبساتين والمساكن وقد وصفها عاصم بن عمرو الشاعر والفارس الشهير حيث قال
صبحنا الحيرة الروحاء خيلا***ورجلا فوق اثباج الركاب
حضرنا في نواحيها قصورا*** مشرفة كأضراس الكلاب
وبقيت الحيرة بعد تحرير العراق عامرة عدة أجيال وكان بجوارها أشهر قصرين بناهما العرب بالعراق من عصور ما قبل الإسلام وهما الخورنق والسدير وبينهما ميلا واحدا واللذان بناهما الملك العربي النعمان بن امرئ ألقيس والملقب بالنعمان الأعور أو النعمان السائح والذي حكم العراق من عام 403م وحتى431م وهو صاحب القصة الشهيرة حول مقتل باني القصر(سنمار) كي لا يبني مثيلا له والتي ذهبت مثلا ومضرب للأمثال(جزاه جزاء سنمار) وقد وردت في حق تلك الحادثة أشعار كثيرة في الأدب العربي العراقي نذكر منها أبياتا لعبد العزى بن امرئ ألقيس الكلبي من قصيدته التي يعاتب بها الملك الحارث الغساني
جزاني جزاه الله شر جزائـــــــــــه*** جزاء سنمار وما كان ذا ذنب
وحتى
فقال اقذفوا بالعُلج من فوق برجه*** فهذا لعمر الله من أعجب الخطب
وقيل إن الملك النعمان قد هجر بعد ذلك القصر وتبتل وساح بالأرض ابتغاء الآخرة وربما يكون قد ندم على فعلته مع باني قصره سنمار فترك القصر والملك واختفى وفي ذلك يقول الشاعر اللخمي عدي بن زيد
وتذكر رب الخورنــــــــــــق إذ*** فكر يوما وللهدى تفكير
وحتى
فارعوى جهله فقال وما غبطة*** حي إلى الممات يسيـــر
وقد جاء ذكر الخورنق كثيرا في الأدب العربي
فقد ذكره حسان بن ثابت شاعر الرسول محمد صلى الله عليه وسلم فقال
وحارثة الغطريف أو كابن منذر*** ومثل أبي قابوس رب الخورنق
كما ذكره أيضا الحارث بن حلّزة فقال
فإذا صحوت فإنني*** رب الشويهة والبعيــر
وإذا سكرت فإننـي*** رب الخورنق والسدير


ملوك العراق / حُكّام الحيرة

تنويه/
في زوايا البحث وبين طياته الكثير من أصول وأسباب العبارات التي تحولت إلى أمثال لوقائع ومجريات أحداث في تاريخ العراق بحسب زمن حدوثها...

مالك بن فهم
وقد مرّت سيرته بالبحث

جذيمة بن مالك
وقد حكم الحيرة بعد مالك بن فهم ولده جذيمة الملقب بجذيمة الأبرش أو جذيمة الوضّاح وله فضل كبير في توحيد قبائل العرب في المنطقة وقد ذكر عنه الطبري انه كان من أفضل ملوك العرب رأياً وأبعدهم مغاراً وأشدهم نكاية وأظهرهم حزما وأول من استجمع له الملك بالعراق وضم إليه العرب فغزا بالجيوش في تلك الحقبة كما ذكر المسعودي عنه فقال انه أول من ملك الحيرة ويقصد بتلك الصيغة وانه صاحب النديمين وهما مالك وعقيل ولذلك قصة مفادها إنهما هما اللذان وجدا عمرو بن عدي ابن أخت جذيمة في البادية حينما كان هاربا فأعاداه إلى الملك مما أفرحه كثيرا ولما أمر بإعادة الطوق الذي كان يطوق به وجدوه قد صغر عليه وأضحى ضيقا وهنا قال عبارته الشهيرة التي ذهبت مثلا فقال (شَبَّ عمرو عن الطوق) , لذا فقد أكرمهما جذيمة وقربهما إليه وباتا نديمين له بحسب طلبهما منه كجزاء لهما , ومالك هو الذي أشار إليه متمم بن نويرة في رثائه الشهير حيث كان أخاه الذي قتله القائد خالد بن الوليد في معارك وحروب الردة التي جرت بالمنطقة ومنها العراق.
وقد دام حكم جذيمة نحو 60عاما وقد عاصر في زمانه حاكم بلاد فارس وهو كسرى المسمى سابور اشك وأما عن زواجه فقد ورد انه تزوج من الزباء الغسانية وهي التي خانته وقتلته أو خططت لقتله وهي من بلاد الشام وبدا إن تلك الزيجة لم تك إلا محاولة فاشلة كغيرها لرأب الصدع بين المناذرة والغساسنة وان لذلك إحداثيات تاريخية مفقودة تحاكي أسباب فشل تلك المحاولات في جمع الشمل والإصلاح بين الطرفين المتحاربين في ذلك العهد.
وعن عمره عند وفاته بمقتله قيل انه كان يناهز أل 118 عاما...

عمرو بن عدي
وقد حكم بعد مقتل خاله جذيمة رغم انه لم يكن متنفذا في زمن حكم خاله الذي دام زهاء ستون عاما لكن بدا انه كان الأجدر بالحكم من بعده وقد ذكر عنه الطبري انه كان أول من اتخذ الحيرة منزلا من ملوك العرب وان أول من مجّده أهل الحيرة في كتبهم وكتاباتهم من ملوك العرب بالعراق هم آل نصر والذين كانوا ينسبون إليه فتقوى موقفه كثيرا لذا فلم يزل عمرو ملكا حتى توفي وهو ابن مائة وعشرين عاما منفردا بسلطته وملكه مستبدا بأمره يغزو المغازي ويصيب الغنائم الكثيرة وتفد عليه الوفود دهره الأطول وهو لم يدين لملوك الطوائف بالعراق ولم يدينوا له حتى قدم اردشير بن بابك في أهل فارس وكان قد أغار ملك الحضر والجزيرة الضيزن بن معاوية بن العُبيد بن قضاعة ومعه قبائل قضاعة حين فتحوا مدينة نهر شير الفارسية (بهرسير) وفتك في أهلها وعندها أصاب أي حصل على أخت كسرى سابور ذي الأكتاف حينذاك
وفي ذلك قال عمرو بن السليح القضاعي
لقيناهم بجمع من علاف
وبالخيل الصلادمة الذكور
فلاقت فارس منا نــكالا
وقتلنا هرابذ بهرسيـــــــر
دلفنا للأعاجم من بعيد
بجمع في الجزيرة كالسعير
وتوفي عمرو وله من العمر 120 عاما وخلفه ولده..


امرؤ القيس بن عمرو
وهو أول من حمل هذا الاسم الشهير كملك وحاكم في تاريخ العراق والعرب وقد كان رجلا شجاعا مهابا وان له كبير الفضل على العرب فهو أول ملك عربي تمكن من توحيد العرب بعموم قبائلهم العربية في العراق وسورية والحجاز ونجد واليمن وقد حكم جزيرة العرب برمتها مع أطرافها حين تولى الحكم بعد والده عمرو وقد كان له عدة ألقاب منها امرؤ ألقيس الأول وامرؤ القيس البدء والمحرّق ومحرّق الحرب ومسعّر الحرب وقد دام حكمه طويلا وقد تمكن فيه من توحيد العرب وقد عاصر ملوك فارس من أيام سابور ابن اردشير وبعده ستة من أحفاده وحتى زمن سابور ذي الأكتاف وقد توفي في عام 223م ودفن في النمارة بسوريا وقد اختلف في حكمه انه حكم 114 عاما أو توفي وله من العمر كذلك ووجد قبره بسوريا في زمننا المعاصر وعليه نقوش بالكتابة العربية الأولية وهي ما تسمى بنقش النمّارة ولا يزال يحمل تلك النقوش حتى اليوم وهي/-
1/ تي نفسي مر القيس بر عمرو ملك العرب كله ذو اسر التج.
2/ وملك الأسد ونزرا وملوكهم وهرب مذحجو عكدي* وجا
3/بزجى في حبج نجرن مدينة شمر وملك معد ونزل بنيه.
4/ الشعوب ووكلهن فرسو لروم فلم يبلغ ملك مبلغه.
5/عكدي. هلك سنة يوم بكسلول بلسعد ذو ولده.
* وتعني القوة
وترجمة تلك العبارات إلى العربية الحالية هي
ترجمة العبارات الموجودة على صدر القبر إلى العربية الحالية
1/ هذا قبر امرئ القيس بن عمرو ملك العرب كلهم الذي حاز التاج.
2/وملك الاسديين ونزار وملوكهم . وهزم مذحج بقوته.
3/ وجاء إلى نزجى (أو بزجى) في حبج نجران مدينة شمر وملك معدا وانزل قسم من بنيه
4/ارض الشعوب ووكله الفرس والروم فلم يبلغ ملك مبلغه.
5/في الحول عكدي هلك سنة 223 يوم سبعة من الول (كانون الأول) ليسعد ذو ولده أي الذين خلفهم.
الحارث بن عمرو
وقد حكم بعد وفاة شقيقه امرؤ ألقيس ودام حكمه 87 عاما كان حكمه فيها امتدادا لمن سبقه ولم يميز بشيء فيما دونته أقلام التاريخ .
أوس بن قلام
وقد حكم بعد الحارث بن عمرو ودام حكمه خمسة أعوام.
عمرو بن امرؤ ألقيس
وقد حكم بن امرؤ ألقيس البدء هذا فكان حكمه قد دام حكمه أربعين عاما وهو كسابقه.

امرئ ألقيس بن عمرو بن امرؤ ألقيس البدء
وقد حكم قرابة خمسة وعشرون عاما قاتل فيها الفرس طيلة مدة حكمه وقد توفي على أيام ملك الفرس يزدجرج


النعمان بن امرئ ألقيس
وقد خلف والده في الحكم ولقب بفارس حليمة و النعمان الأعور أو النعمان السائح وأبى قابوس ولتلك الألقاب قصص سنولي ذكرها بعون الله وهو صاحب قصري الخورنق والسدير الشهيرين بالعراق وهما كما هو معلوم مضرب للحديث عند العرب والجزيرة وقد كان هذا الملك رجلا شجاعا حكيما ومحاربا قويا حازما ومن أهل الغيرة والنجدة والنخوة وقد كان له كتائب من الجيش معروفة أخبارها أشهرها دوسر والشهباء إضافة لأخريات وقد اشتهرت دوسر بشدة محاربيها البواسل حتى قيلت فيها الأمثال( ابطش من دوسر) وقد حكم29 عاما حتى434م حيث ترك الملك بمليء إرادته عندما ساح في البوادي لقصته المعروفة..

المنذر بن النعمان
وقد خلف والده النعمان في الحكم حتى عام473م قرابة الأربعون عاما وقد اشتهر بفروسيته وشجاعته وغزوه لبلاد الروم في تركيا...

الأسود بن المنذر بن النعمان
وقد خلف والده المنذر في عام 473م وحتى493م وحكم نصف مدة والده تقريبا وقد كان الأسود رجلا شهيرا بفروسيته وشجاعته وإقدامه بالحرب وقد حارب غازيا في سوريا واسر عددا من أمراء الغساسنة وهنا أغراه ابن عمه أبو اذينة بقصيدة شهيرة يحرضه فيها على قتل هؤلاء الأسرى لأنهم كانوا قد قتلوا أخاه وكان آخرها البيت الشهير

لا تقطعن ذنب الأفعى وتتركها
إن كنت شهما فاتبع رأسها الذنبا
المنذر بن المنذر
وقد خلف أخاه الأسود فحكم حتى عام 500م.

النعمان بن الأسود بن المنذر
وقد خلف عمه بالحكم ولم يدم حكمه طويلا فكان قرابة أربعة أعوام وقد عاصر حكم كسرى قباذ في فارس وهو والد كسرى انو شروان وفي أيامه دخلت قبائل تغلب وبكر إلى العراق وتوفي في 504م.

علقمة بن جعفر
وهذا الآخر لم يدم حكمه أيضا فقد حكم قرابة ثلاثة أعوام من504م وحتى507م.

امرؤ ألقيس بن النعمان
وقد حكم من 507م وحتى514م وهو الذي خلّف بن ماء السماء بعده.

المنذر بن امرؤ ألقيس(المنذر بن ماء السماء)
وقد خلف والده في514م فحكم حتى 533م وقد كان رجلا محاربا شجاعا حارب الروم كما احتل سوريا ووصل حتى أنطاكية ودخل لبنان وحارب كندة وعرف بالمنذر بن ماء السماء والسبب إن والدته وهي من ( النمر بن قاسط) يقال لها ماء السماء لجمالها الخارق وحسنها واسمها مارية بنت عوف وقد تزوج المنذر من هند بنت الحارث بن عمرو الكندي من ملوك كندة في جنوبي العراق والحساء والقطيف فولدت له ثلاثة أبناء وهم الأول عمرو بن هند المعروف بمضرط الحجارة وهو الذي قتله فيما بعد الشاعر الفارس عمرو بن كلثوم والثاني هو قابوس المعروف بقينة العرس أما الثالث فهو المنذر بن المنذر ومن المعروف إن هذا الرجل أي المنذر بن ماء السماء هو أشهر من حكم العراق في غابر الأيام

يومي البؤس والنعيم عند المنذر
المنذر بن ماء السماء هو صاحب الاعتقاد بهذين اليومين واصل ذلك انه لما ندم على قتله نديميه عند سكره فاقسم على أن يتخذ اليومين في كل عام كذكرى يعدم فيها أو يكرم من يصادف مروره عليه وقد قال عبيد بن الأبرص قبل أن يقتله المنذر لأنه أتاه في يوم بؤسه/
وخيرني ذو البؤس في يوم بؤسه
خصالا أرى في كلها الموت قد برق
كما خيرت عاد من الدهر مرة
سحائب ما فيها لذي خبرة انــــــــــــــــق
ولقد حارب هذا الملك الروم حتى تمكن من تحرير سورية من أيديهم ووضع يده عليها ثم واصل حتى أنطاكية كما دخل لبنان وجلب منها الأسرى إلى العراق وفيهم 400 راهبة وفي أثناء غزواته ضد الروم قامت كندة بانتهاز الفرصة فهاجم رجالها العراق لغزوه ولما وصلت أخبار ذلك إليه قرر غزوها انتقاما منها فتوجه نحو مضارب كندة فأسر وقتل12 أميرا من أمرائها وكان من بين الأسرى أيضا الشاعر الشهير امرؤ ألقيس الكندي الذي افلت فيما بعد وليهرب من أسره ولقد كان غالب جيش المنذر من قبائل بكر العربية ومنهم بنو شيبان حيث كان يعتمد عليهم وحدهم وقد قال فيهم شعرا نورد منه
ملوك من بني عمر بن حجر
يساقون العشية يقتلونـــا
فلو في يوم معركـــة أصيبوا
ولكن في ديار بني مرينــا
ولم تغسل جماجمهم بغسل
ولكن في الدماء مرملينــا
تظل الطير عاكفة عليهـــم
وتنتزع الحواجب والعيونا
كما يذكر تلك الحادثة الشاعر البكري العراقي صاحب المعلقة الشهيرة الحارث بن حلزة فيقول
ومع الجون جون بني الأوس
عنود كأنها دوفــــــــــــــاء
ما جزعنا تحت العجاجة إذ ولوا
شلالا وإذ تلظى الصــــــلاء
يوم اوارة
ولكن حدث أن تمردت فيما بعد على المنذر قبيلة بنو شيبان العربية فهاجمهم وقتل منهم عددا كبيرا من المقاتلين وهذا ما يؤكد على وجودهم كعرب بالعراق قبل الإسلام وفي تلك الحادثة يقول الأعشى
سبايا بني شيبان يوم اوارة
على النار إذ تجلى به فتيانها
مقتل المنذر
لقد قتل المنذر غيلة وغدرا على مذبح كيد واحتراب الغساسنة والمناذرة في عين أباغ على الفرات على مسافة مائة كلم جنوب شرقي حلب في سورية على يد شمر بن عمرو الحنفي الذي أرسله الملك الغساني الحارث بن جبلة عندما أرسل القاتل مع مجموعة من الفتيان المتنكرين الذين عملوا حيلة مع امرأة يقال لها حليمة على إنهم خارجين على الملك الغساني وإنهم مستجيرين بالمنذر فلما اطمأنوا لنجاح حيلتهم قاموا في ليلتهم تجاه مخدع المنذر وهجموا عليه وقتلوه فقيل (ما يوم حليمة بسرّ)
فذهبت مثلا بالمنطقة وتمكن الغساسنة أيضا من اسر احد أبناء المنذر واسمه امرؤ ألقيس وبعد ذلك ثارت بكر وتمكنت بغارة لها على الشام أن تحرر ابن الملك المغدور بعد أن سيطروا على كامل سوريا من جديد واسروا الملك الغساني وفي تلك الحادثة الشهيرة يشير الحارث بن حلزة شاعر بكر مفتخرا في معلقته التي نظمها وألقاها أمام الملك عمرو بن هند
فيقول
وفككنا غل امرئ ألقيس عنه
بعد ما طال حبسه والعناء
واقدناه رب غسان بالمنـــذر
كرها إذ لا تكال الدمـــــــاء
وفي هذه المعركة أيضا اخذ عمرو بن هند ابنة الملك الغساني واسمها ميسون أسيرة لديه ثم تزوجها فيما بعد وقال الحارث في ذلك أيضا
إذ احل العلياء قبة ميسون
فأدنى ديارها العوصــاء
في رثاء المنذر قالت ابنته
وقلوا فارسا منكم قتلنـــا
فقلنا الرمح يكلف بالكريم
بعين أباغ قاسمنا المنايا
فكان قسيمها خير القسيم

عمرو بن المنذر( عمرو بن هند)

وقد حكم بعد المنذر ولده عمرو في533م ودام حكمه حتى578م وهو الذي سمي بعمرو بن هند ولقب بالمحرق الثاني وأشهر ما لقب به هو لقب مضرط الحجارة وهو ما يدل على قوته وجبروته لكنه كان قد بالغ في الكبرياء ومسته العظمة حتى انه تصور إن بإمكانه السيطرة على الناس أجمعين وقد كان مرهف الحس عصبي المزاج وسبب له ذلك الكثير من المشاكل وخاصة مع الشعراء كالمتلمس وقصته مع طرفة بن العبد عندما هجاه شهيرة فهو الذي أمر بقتل طرفة لقوله في قصيدته ومنها البيتين

فليت لنا مكان الملك عمرو***رغوثا حول قبتنا تخور
من الزيرات أسبل قادماها *** وضرتها مركبة تـــدور

كما يقال إن الملك عمرو غضب أيضا على طرفة لأنه تغزل بزوجته عندما قال

ألا أيها الظبي ألـــذ*** ي تبـــــدو ثنايـــــــــــاه
ولولا الملك القاعــ*** د قد الثمني فـــــــــــــاه

غير إن طرفة هجا الملك أيضا ووصفه بالقسوة والظلم وقد ذم قصر السدير وأهله

أبى القلب أن يهوى السدير وأهله*** وان قيل عيش بالسدير غرير
فلا انذر الحي الذي نزلوا بــــــــه*** واني لمن لم يأته لنذيـــــــــر

ولا ننسى أن نذكر هجاء الشاعر العراقي المتلمس للملك عمرو بأبيات لاذعة نورد منها فقط

قولا لعمرو بن هند غير متئب*** يا أخنس الأنف والأضراس كالعدس

كما قال في قصيدة أخرى

الَكَ السدير وبارقٌ*** ومرابض ولك الخورنق
وحتى
ما الليوث وأنت جامعها***برأيك لا تفــــــــرق
والظلم مربوط بأفنية *** البيوت أغر أبلــــــق

كما قالت الخرنق وهي أخت طرفة بعد موت عبد بن عمرو بن بشر وهو الذي وشى بأخيها أبياتا نورد منها

ألا هلك الملوك وعبد عمرو*** وخليت العراق لمن بغاها

كما قالت معاتبه الملك عمرو بن هند عندما طرد ابن عمها عمرو بن مرثد

ألا من مبلغ عمرو بن هند ***وقد لاتعدم الحسناء ذاما
وحتى
الست ترى القطا متواترات***ولو ترك القطا ليلا لناما

وقد كانت نهاية ذلك الملك على يد شاعر تغلب الكبير وفارسها عمرو بن كلثوم صاحب المعلقة الشهيرة حين دعا الملك يوما لضيافته فارس تغلب مع والدته ليلى بنت المهلهل وقد كان والدها رجلا من أعزاء العرب وكان الملك قد اتفق مع والدته أن تأمر كلثوم بما يقلل من قدرها وفعلا تمت الزيارة وبينما كان الملك يجالس ضيفه الشاعر الفارس وإذا بصوت والدته كلثوم تصرخ واذلاّه بسبب إن أم الملك قد أمرتها أن تناولها طاسة أو قدحا من الماء فقام الفارس عمرو من فوره إلى سيف الملك المعلق على الجدار وسحبه وضرب به هامة الملك عمرو بن هند وارداه قتيلا صريعا في قصره وهنا صار عمرو بن كلثوم مضربا للأمثال بين العرب كلها فيقال( افتك من عمرو بن كلثوم)
وفي ذلك قال الشاعر ألتغلبي صريم بن معشر والملقب بافنون

لعمرك ما عمرو بن هند وقد دعا ***لتخدم ليلى أمه بالموفـــــــق
فقام ابن كلثوم إلى السيف مصلتا***وامسك من ندمانه بالمخندق

وبعد هذه الحادثة نظم الشاعر عمرو بن كلثوم معلقته المشهورة التي ألقاها في بني قومه والتي مطلعها

ألا هبي بصحنك فاصبحينا*** ولا تبقي خمور الاندرينا

وقد أكثر التغلبيون من حفظ وإلقاء وترديد هذه القصيدة حتى قال بعض الشعراء فيهم

ألهى بني تغلب عن كل مكرمة*** قصيدة قالها عمرو بن كلثوم
يفاخرون بها مذ كان اولهــــم*** يا للرجال لفخر غير مـسؤوم
قابوس بن المنذر
بعد أن قتل عمرو بن هند وصل إلى الحكم أخيه قابوس بن المنذر الذي حكم من عام578م وحتى581م ثم خلفه أبا زيد لمدة عام واحد

المنذر بن المنذر بن ماء السماء
وقد حكم قرابة أربعة أعوام أي حتى 585م

النعمان بن المنذر أبو قابوس
وهو من أشهر ملوك الحيرة بالعراق وقد دام حكمه من عام 585م وحتى613م وقد بلغت دولة المناذرة في حكمه أوج الرخاء والازدهار وقد كان النعمان يلبس في رأسه تاجا مرصعا بالنفائس وعاصر كسرى هرمز وكسرى ابرويز وفي أيامه حدثت واقعة ذي قار بين عرب العراق والفرس والتي انتهت بهزيمة الفرس التي حدثت في بداعية عام 613م أي في العام الثاني للهجرة النبوية وكان كسرى ابرويز قد غدر بالنعمان واخلف وعده بالصلح حين دعاه لزيارته بعد حدث مقتل مترجمه عدي بن زيد الذي أمر النعمان بقتله عندما ثبتت عليه الخيانة فذهب الملك النعمان إلى كسرى ولكنه ما أن وصل قام بحبسه في ساباط وهي إحدى مدن المدائن وبقي في سجنه حتى وفاته عندما أمر كسرى من حقده على النعمان بإلقائه تحت أرجل الفيلة لتصفيته جسديا والخلاص منه وهناك من يفسر الأمر برمته على انه حدث لسبب آخر وهو أن العرب في تلك المرحلة قد تزايد نفوذهم في سوريا والعراق يدفعهم في ذلك وجود منطلق كيان لهم وحكم ومركز في الحيرة مما يعطيهم الحق في الدفاع عن حقوقهم على الأرض كأمة وهذا ما يؤكده صراعاتهم المستمرة مع الروم والفرس وقد تهافت الشعراء على النعمان باستمرار ويجب أن نعلم إن حراك الشعراء كان في ذلك العصر بمثابة وسائل إعلام وما يشبه وكالات الأنباء والصحف كانت تشيد بقوة النعمان ومجد العرب في الحيرة مما أغاظ الفرس كثيرا وجعل كسرى يفكر في فرض الاحتلال على العراق رسميا عندما أرسل عميله إياس بن قبيصة الذي حكم حتى618م ثم عزله كسرى وأرسل حاكما فارسيا ليحكم في العراق واسمه زاديه والذي حكم حتى628م ثم عاد الحكم للمناذرة عندما حكم العراق المنذر بن النعمان الملقب بالغرور وهو الذي وقع أسيرا في البحرين أثناء حروب الردة فاسلم وأبدل لقبه من الغرور إلى المغرور وانتهى حكمه في 632م وبذا يكون هو آخر ملوك المناذرة الذين حكموا العراق في الحيرة...
ومما ذكره الطبري (إن الحيرة خربت بعد هلاك بختنصر لتحول الناس عنها إلى الانبار وبقيت خرابا إلى أن عمرت في زمن عمرو بن عدي باتخاذه إياها منزلا له) ,,,

صدى النعمان في الأدب العربي
قال فيه الأعشى
فداك وما أنجى من الموت وبه***بساباط حتى مات وهو محزرق
وقال فيه أيضا
هو المدخل النعمان بيتا سماؤه***نحور فيول بعد بيت مســــردق

في إشارة لحادثة مقتله الشنيعة تحت أقدام الفيلة وهي التي عادت لتحدث لعين السبب بعد خمسة قرون مع المعتصم ولكنها حدثت تحت أقدام الخيل وبأيدي الأوباش المغول,,

وقد رثاه الشاعر لبيد بن ربيعة العامري في قصيدة نورد منها

له الملك في ضامي معد وأسلمت***إليه العباد كلها ما يحاول

وقد رثاه احد أبنائه وهو المحرّق مخاطبا كسرى فقال

قولا لكسرى والخطوب كثيرة***إن الملوك بهرمز لم تجبر

وقد رثاه زهير ابن أبي سلمى في قصيدة مطلعها

ألا ليت شعري هل يرى الناس ما أرى
من الأمر أو يبدو لهم ما بدا ليــــــــــــا

ورثاه أيضا هانيْ بن مسعود الشيباني بطل ذي قار فقال

وتجبى إليه السيلحون ودونها***صريفون في أنهارها والخورنق

من هجاء مالك بن نويرة للنعمان بالسابق ولكن بدا إنه طموحا وملتويا فقد عاد وتمرد في عهد الخليفة أبي بكر رضي الله عنه

لن يذهب اللؤم تاج قد حبيت به***من الزبرجد والياقوت والذهب

وقد مدحه إعرابي ناصحا عندما تولى الحكم

إذا أسست قوما فاجعل الجــود***بينهم وبينك تامن كل ما يتخوف
فان كشفت عند الملمات عورة***كفاك لباس الجود ما يتكشـــــف

كما مدحه النابغة الذبياني

الم تر إن الله أعطاك ســورة***ترى كل ملك دونها يتذبـــذب
كأنك شمس والملوك كواكب***إذا طلعت لم يبد منهن كوكب

وفي موضع آخر

أنبئت إن أبا قابوس أوعدني***ولا قرار على زأر من الأسد
مهلا فداء لك الأقوام كلهــــم***وما أثمر من مال ومن ولــد

وقد قال المنخّل اليشكري ذاكرا المجد العربي بالعراق بأيام النعمان بقصيدة رائعة نورد مطلعها

إن كنت عاذلتي فسيري***نحو العراق ولا تحوري

شقائق النعمان الشهيرة
خرج النعمان يوما إلى البرية فوجد أورادا ملونة فقال ما أحسنها احموها فحموها فسميت شقائق النعمان

ديانة النعمان
لقد كان النعمان وثنيا في أول عهده ثم تنصّر في 593م مما يدل على استقلاليته من الفرس وتحديه لهم خصوصا وان المسيحية كانت هي ديانة الروم أعدائهم آنذاك وقد كان نسطوريا لذلك طرد اليعاقبة من مملكته وقوى النسطورية وقد كانت ابنته الحرقة نصرانية ومترهبة وهي التي وصفت حالها لسعد بن أبي وقاص بعد القادسية قائلة

فبينا نسوس الناس والأمر أمرنا***إذا نحن فيه سوقة نتنصف
فأف لدنيا لا يدوم نعيمـــــــــــها*** تقلب تارات بنا وتصـــرف

سيرة وميول النعمان
لقد كان النعمان أديبا وشاعرا وصديقا محبا للشعراء والخطباء وكان من أصدقائه زهير بن أبي سلمى والنابغة الذبياني ولبيد العامري وعمرو بن معد يكرب الزبيدي وعلقمة بن علاثة وعامر بن الطفيل وعمر بن الشريد السلمي والحارث بن الظالم المري والحارث بن عباد البكري وقيس بن مسعود البكري وحاجب بن زرارة التميمي واكثم بن صيفي وهؤلاء هم اخطب واشعر العرب في ذلك العصر وقد دخل النابغة الذبياني يوما على النعمان وهو من اخلص أصدقائه فألقى فيه شعرا فتهلل وجه النعمان بالسرور فأمر أن يحشى فاهه جوهرافقال النعمان بمثل هذا فلتمدح الملوكوفي موقف آخر دخل النابغة على النعمان يوما فقال أيها الملك أيفاخرك صاحب غسان,,,فوالله لقفاك أحسن من وجهه ولشمالك أجود من يمينه ولامك خير من أبيه ولغدك اسعد من يومه فضحك النعمان وقال من يلومني على حب النابغة وقد كان للنعمان حاجبا اشتهر في أيامه واسمه عصام وهو الذي قيل فيه المثل(نفس عصام سودت عصاما) وقد ذكره النابغة
فاني لا ألومك في دخول***ولكن ماوراءك يا عصام

ومن عيون شعر النابغة الذبياني قصيدة المتجردة التي وصف فيها زوجة النعمان ومنها

لا مرحبا بغد ولا أهلا بــــه***إن كان تفريق الأحبة في غد
وحتى
بمخضب رخص كان بنانه***عنم يكاد من اللطافة يعقـــــد



واقعة ذي قار
********
موقع ذي قار
ذي قار أو ذو قار العريقة كمدينة تقع إلى الغرب من موقع أور الأثري التاريخي وفيما بعد هي آبار ماء عذبة لقبائل بكر بين الكوفة وواسط كما أفاد البلاذري وهي قريبة من الفرات وتنتصف المسافة بين الكوفة ومدينة واسط وهي محافظة ذي قار الآن والناصرية فيما سبق وقد سكنت المنطقة والى الشمال من محافظة المثنى قبائل بني شيبان وبقية قبائل بكر

أسباب المعركة
إن العراق طويلا ما وقع بين فكي كماشة الفرس والروم ورغم إن هنالك محاولات سياسية جريئة لأبرز من حكم العراق كما تقدم إلا إن كثيرا من ملوك العراق العرب في الحيرة والمناذرة يخضعون أحيانا لضغوط كسرى فارس أبان مراحل ضعفهم وإذ ذاك يلجئون للتحالف وفي حالات أخرى كانوا يرفضون إلا أن يكونوا حلفاء للفرس ضد الروم ولقد كان للفرس عملاء وجواسيس في الحيرة تتم تهيئتهم على الدوام كان منهم عدي بن زيد العبادي الذي كان يعمل مترجما وكاتبا في ديوان كسرى ابرويز بالمدائن وقد تأكد عند الملك النعمان ما يثبت خيانة الرجل فأمر بتنفيذ حكم الموت عليه وقتل وانتهى أمره لكن كسرى امتعض كثيرا عندما وصله الخبر حتى انه اقسم لينتقم من النعمان فبعث بجيش فارسي احتل الحيرة وتقدم جنوبا للقضاء على كل قوة متيسرة للعرب سواء كانت تابعة أو حليفة لمملكة الحيرة يستجير بها النعمان’’’’

قوات الطرفين
قوات فارس
لقد أمر كسرى أن يكتمل تحشد الجيش في منطقة ذي قار وعندما يتم ذلك يتسلم قيادة الجيش إياس بن قبيصة وهو العميل الذي عينه على الحيرة وكانت قوات الفرس تتكون من عدة فرق فيها من العرب أيضا!! وقد تجاوزت الثمانية آلاف مقاتل وتألفت من كتائب الخيالة والمشاة المسندة بالفيلة التي تحمل الحصون وفيها الجند لحمايتهم داخلها ولقد توزعت القوات الفارسية كما يلي/-
أ - فرقة يقودها القائد الفارسي الهامرز وقد عسكر بجنده القطقطانة.
ب- فرقة يقودها جلابزين وقد عسكر بجنده في بارق.
ج- فرقة قيس بن بيس ذي الجدين وقد عسكر بجنده في صفوان.
د – فرقة إياس بن قبيصة من الحيرة وهي معظمها من قبيلة إياد العربية.

قوات العراق
لقد كانت القوات المدافعة الرئيسية بالعراق هي القوات العربية وغالبها من قبيلة بني شيبان بكل بطونها وتساندها بعض قبائل بكر بن وائل وقد تجمعت كل تلك القوات من عموم أنحاء العراق على نحو ثمانية آلاف مقاتل في موقع ذي قار الذي سبقوا الفرس إليه عندما انسحبوا من الحيرة ومن هيت ومن حديثة وغيرها وبذا يكونوا قد جعلوا الصحراء ورائهم ليستقبلوا النجدة العربية ولكي يجعلوا خط انسحابهم مفتوحا عند الحاجة وليتقصوا أخبار القواتالفارسية ومعرفة نواياها وكما اخبر البلاذري إن ذي قار هي موقع ماء لبني بكر وان المسافة من الحيرة إليها لا تقل عن ثلاث أو أربعة أيام وبالنظر لنتيجة المعركة وانتصار العرب فيها فيكون الاختيار الجيد لمنطقة وميدان المعركة وتوقيتها له كبير الأثر بحسم النتيجة

معركة ذي قار
المؤتمر التحضيري للحرب
مُقطّع الوضن

لقد صمم العرب بالعراق على القتال والدفاع عن وجودهم وكرامتهم عندما تعاظم الخطر والتهديد الفارسي بحشوده العسكرية المتحالفة والذي بدا لهم انه يستهدف القضاء عليهم نهائيا بتلك المعركة المرتقبة لذا تم عقد عدة اجتماعات في العراق بين كبار العرب وكان آخرها هو التحضيري قبيل المعركة والذي هو أشبه بمؤتمر عسكري المراد منه هو وضع خطة عسكرية للصمود (الصَمد) ومن ثم الهجوم في منطقة ذي قار وقد كان على رأس المجتمعين زعيم قبائل بكر العربية ( هاني بن قبيصة بن هاني بن مسعود الشيباني) إضافة لزعيم بني شيبان يزيد بن مسهر الشيباني وزعيم بني عُجل حنظلة بن ثعلبة بن سيار العُجلي ويزيد بن حمار السكوني وقيس بن مسعود الشيباني وغيرهم وقد تم التركيز على ضرورة رفع معنويات المقاتلين العرب واستنهاض غيرتهم وفي بادئ الأمر كان رأي بعض الرجال (إن اللهى أهون من الوهى) أي إعطاء دية بدلا من الحرب والهلاك وعبّر آخر (إن في الشر خيارا ولان يفتدي بعضنا بعضا خير من أن نصطلم جميعا) أي دفع الديات بدل أن يقتل الجميع لكن هذا الحديث أثار حفيظة حنظلة بن ثعلبة ألعجلي الذي اهتز غضبا لهذا الطرح والخطاب المتخاذل فقال (قبّح الله هذا رأيا ولن تجر رجال فارس أرجلها ببطحاء ذي قار وأنا اسمع هذا الصوت) ثم أمر بنصب قبته كقائد بوادي ذي قار وقال (لا أرى غير القتال فإننا إن ركبنا الفلاة متنا عطشا أو إن أعطينا بأيدينا تقتل مقاتلتنا أو تسبى ذرارينا) أي ذريتنا ثم صرخ في وجه قومه وقال( لن افر حتى تفر هذه القبة) وبعدها توجه حنظلة إلى هانئ بن مسعود الذي كان يزحف برجاله صوب ذي قار وخاطبه قائلا ( يا أبا إمامة إن ذمتكم ذمتنا عامة وانه لن يوصل إليك حتى تفنى أرواحنا فاخرج) وكان رأي شريك بن عمرو بقوله(يا قوم أما تهابونهم إنكم ترونهم عند الحفاظ أكثر منكم أو كذلك انتم في أعينهم فعليكم بالصبر فان الأسنّة تروي الأعنّة يا آل بكر قُدما قُدما).
بينما قال التجيبي( لا تستهدفوا لهذه الأعاجم فتهلككم بنشابها ولكن تكردسوا كراديس فإذا اقبلوا على كردوس شد الآخر) وهذا الرأي بالطبع مراد منه إذكاء فعالية الدفاع الفعال أي الصمود بعناد وقابلية شن هجمات مقابلة شديدة بتحين الفرصة لكن حنظلة رد معارضا فيما خص الرأي الأخير فقال(إن النشاب الذي مع الأعاجم يفرقكم فإذا أرسلوه لم يخطئكم فعاجلوهم اللقاء وابدأوهم بالشدة) وهنا يقصد ضرورة الهجوم ألاستباقي ورأيه يجسد إن خير الدفاع هو الهجوم وقام حنظلة إلى أحزمة الرحال فقطعها بيديه عندما ابتدأ بناقة امرأته فقطع وضن الهودج أي حزامه ورماه أرضا ثم باشر بقطع أحزمة الإبل كلها فسمي هنا (مقطّع الوضن) وقد قصد بعملته هذه أن تبقى الأحمال والنساء في ميدان المعركة خلف الرجال لكي يصمد الرجال بهذا ويدافعوا عن شرفهم وأموالهم وقد قال (ليدافع كل رجل منكم عن حليلته) ثم وقف يثير الحماس فارتجز الأبيات الآتية
قد جد أشياعكم فجـــدوا
ما علتي وأنا مؤد جلــــد
والقوس فيها وتر عــــردُّ
مثل ذراع البكر أو اشـــدُّ
وحتى
نفسي فداكم وأبي والجـــدُّ
ثم استمر الباقون ينشدون ومنهم ولده يزيد
من وفر منكم فر عن حريمـه
وجاره فر عن نديمــــه
وحتى
من قارح الهجنة أو صميمـه
وكان آخرهم عمرو بن جبلة اليشكري البكري الذي انشد
يا قوم لا تغرركم هذي الخــرق
ولا وميض البيض في الشمس برق
من لم يقاتل منكم هذا العنـــق
فجنبوه الراح واسقوه المـــرق

المعركة
التعبئة والحشد

سنحاول وضعكم في ساحة المعركة لتشاهدوا بعقولكم كيف جرت وقائع تلك الملحمة الخالدة بالتاريخ ولنبتدئ هنا بتوزيع القوات فيما خص القوات العربية بالمعركة فقد تواجدت قوات هاني بن قبيصة في القلب بينما كانت على ميمنته قوات يزيد بن مسهر الشيباني وقد حلت في الميسرة قوات حنظلة بن ثعلبة بن سيار العجلي .
الكمائن
تم تهيئة كتيبة من الرجال لتقوم بواجب كمين فعال في جب ذي قار بقيادة يزيد السكوني ورجاله ونجح الكمين بالفعل حيث باغتوا القوات الفارسية مباغتة مذهلة وكبدوهم الخسائر وقد كانت تلك القوات بقيادة إياس بن قبيصة لدرايته بالمنطقة والذي كان عميلا لكسرى فحصل بهذا الكمين إرباك كبير حطم من معنويات الجيش الفارسي ابتداء وقبل المعركة وهو الذي اخل بترتيبات القوات الفارسية للهجوم على القوات العربية وجعلها تتحول من فورها من خطة الهجوم إلى الهرب والانسحاب إلى الجبابات وقد أدى هذا الانسحاب المفاجئ الغير معد له إلى عطش مقاتلي الجيش الفارسي عطشا شديدا بينما كانت القوات العربية في الجانب الآخر تكتنز كميات من الماء تكفيهم لمدة أسبوعين .
المعركة
لقد دارت في منطقة الجبابات معركة شديدة بين القوات العربية والفارسية وكانت النتيجة أن انهزم الفرس أيضا فتحولوا شمالا نحو بطحاء ذي قار حيث أرادوا الوصول إلى الفرات لكن القوات العربية أحست بذلك فطاردوهم للقضاء عليهم نهائيا علما إن هنالك حدثا مهما زاد في إرباك القوات الفارسية وتخاذلها وهو إن قبيلة إياد العربية التي كانت متحالفة مع الفرس وتقاتل معهم في معركة جبابات لما أحست إن الموقف بات خطيرا أو لأية أمر آخر دعاها ترسل الرسل إلى قبائل بكر العربية لتسترضيها وتخبرها بأنه من غير الممكن أن يقاتل العربي أخاه العربي وهنا حصلت نقطة تحول أخرى حين قررت ايادا أن تنحاز إلى العرب وتغير من موقفها القتالي وكانت صيغة التفاوض النهائية التي عرضتها قبيلة إياد هي (أي الأمرين أعجب إليكم أن نطير تحت ليلتنا فنذهب أو نقيم ونفر حين تلاقون القوم) أي ما يعجبكم من الخيارين فكان الجواب هو( بل تقيمون فإذا التقى الجمعان انهزمتم ) أي ابقوا في موقفكم حتى يتم الهجوم فبادروا للفرار وكانت تلك خطة إستراتيجية خدمت القوات العربية وتنفيذها حسم الموقف وكانت هي الشعرة التي قصمت ظهر البعير ومن الواضح أيضا إن القوات العربية كانت تحمل معنويات عالية وموقفها التعبوي والتسليحي جيدا حيث إنها لم تطلب من مقاتلي قبيلة إياد عند التفاوض الاشتراك بالحرب والانضمام إلى القوات العربية ولو أرادوا لتم لهم ذلك عموما دارت معركة البطحاء حين اشتد القتال بعد هجوم القوات العربية العاصف والطالب للحسم على القوات الفارسية وفي ذروته نفذت قبيلة إياد العربية وعدها بالانسحاب من ساحة المعركة وانسحبت نحو الشمال الغربي صوب ديارها وبعدها حصل الارتباك الكبير لجيش الفرس وتحطمت معنوياته وهنا استغلت القوات العربية الفرصة خير وأحاطت بالقوات الفارسية إحاطة تامة فأبادتها إبادة تامة وسجل العرب بذلك انتصارا تاريخيا كبيرا على الجيش الفارسي الموفد إلى العراق والى ذلك الحدث التاريخي الهام أشار الرسول محمد صلى الله عليه وسلم حين قال ( هذا أول يوم انتصف العرب من العجم وبي نصروا).
المبارزة الأولية
وفي هذه المعركة التاريخية قتل القائد الفارسي الهامرز وقد قتله مبارزةً البطل العربي برد بن حارثة اليشكري كما قتل كذلك القائد الفارسي الجلابزين على يد البطل العربي العراقي حنظلة بن سيار العجلي.
أجمل ما قيل في حق واقعة ذي قار
قالت امرأة عجليه
إن يظفروا يحرزوا فينا الغزل
أيها فداء لكم بني عجـل
وقالت ابنة القرين الشيبانية
ويهأ بني شيبان صفا بعد صف
إن تهزموا يصبغوا فينا القلف
وقد قال أعشى بكر من قصيدة له عن ذي قار
لو إن كل معد كان شاركنا
في يوم ذي قار ما أخطاهم الشرف
وقال العديل العجلي
ما أوقد الناس من نار لمكرمة
إلا اصطلينا وكنا موقدي النار
وما يعدون من يوم سمعت به
للناس أفضل من يوم بذي قار
جئنا بأسلابهم والخيل عابسة
يوم استلبنا لكسرى كل أسوار
سنتناول هنا بهذا البحث تحديدا الوقائع التي جرت باختصار في العراق وجواره بالبحرين والمقصود بالبحرين وقتئذ هي المنطقة الشرقية من شبه جزيرة الغربية الكائنة على الخليج العربي وفيها عمان المهادنة وقطر والحسا والقطيف وسواحل العراق الجنوبية الكويت( والبحرين وردت في ترتيلات ومخاطبات سكان العراق القدماء بدلمون أو تلمون وقد كانت تابعة لبلاد الرافدين وهي حدودها الجنوبية) وقد كانت تسكن بتلك المناطق قبائل عبد القيس وبكر بن وائل وتميم وبنو حنيفة وقد كان الذي يتزعمهم هو المنذر بن ساوى .وحدث إن في العام الثامن للهجرة وجّه الرسول محمد صلى الله عليه وسلم العلاء بن عماد الحضرمي إلى البحرين فصالح أهلها بعد أن فتحها وكتب لهم الكتاب التالي/- (بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما صالح عليه العلاء بن الحضرمي أهل البحرين صالحهم على أن يكفونا العمل ويقاسمونا التمر فمن لم يف بهذا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين)
ولما توفي المنذر بن ساوى بعد وفاة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم ارتدت بالبحرين قبيلة ربيعه وقبيلة قيس مع قائد هم شريح بن ضبيعة بن عمرو بن مرثد وكان يسمى الحطم لقوله

قد لفها الليل بسواق حطم

وكانت ربيعة قد تمكنت من حصر البقية الباقية من ربيعة التي لم ترتد التي كان يقودها الجارود وهو بشر بن عمر العبدي في حصن (جواثا) والذين استنجدوا بالخليفة الأول أبى بكر رضي الله عنه وفي ذلك قال شاعرهم عبد الله بن حذف الكلابي

ألا ابلغ أبا بكر الوكــــاً

وفتيان المدينة اجمعينـــا

فهل لك في شباب منك أمسوا

أساري في جواث محاصرينا

فسار إليهم العلاء بن الحضرمي متقدما نحو حصن جواثا فدارت معركة شديدة قتل فيها الحطم وفك الحصار عن العرب المسلمين في الحصن وفي قتل الحطم يقول مالك بن ثعلبة العبدي

تركنا شريحا قد علته بصـيرة

كحاشية البرد اليماني المحبّر

ونحن فجعنا أم غضبان بابنها

وكسرنا الرمح في عين حبتر

وبعد مقتل شريح الحطم تمكن العلاء بن الحضرمي من السيطرة على سواحل الخليج العربي وجزره كافة ما عدا جزيرة دارين التي فتحها العلاء فيما بعد بخلافة

عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين خاض بجيشه

البحر نحوها وفي ذلك يقول كراز البكري

خاض العلاء حياض البحر مقتحما

فخضت قدما إلى كفار دارينا

وقد كان من بين الاساري الذين وقعوا بيد المسلمين بتلك الواقعة المنذر بن النعمان (الغرور) آخر ملوك العراق (الحيرة)
حديقة الموت

اليمامة

*****

لقد كانت اليمامة جزء من البحرين كما أسلفنا ولقد كانت تسمى سابقا (جوّ) إلا إن امرأة من قبيلة جديس البائدة اسمها اليمامة قد صلبت على بابها فسميت بعد ذلك باليمامة وقد كانت تسكنها قبيلة بني حنيفة وكان كبيرهم هو مسيلمة بن ثمامة بن كبير بن حبيب وهو الذي ادعى النبوة فسمي بعد ذلك بمسيلمة الكذاب وكان قد كتب إلى الرسول محمد صلى الله عليه وسلم كتابا قال فيه( من مسيلمة رسول الله إلى محمد رسول الله أما بعد فان لنا نصف الأرض ولقريش نصفها ولكن قريشا لا ينصفون والسلام عليك) فكتب إليه المصطفى صلى الله عليه وسلم(بسم الله الرحمن الرحيم من محمد النبي إلى مسيلمة الكذاب سلام على من اتبع الهدى أما بعد فان الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين والسلام على من اتبع الهدى) ولما توفي الرسول محمد صلى الله عليه وسلم أرسل أبو بكر خالد بن الوليد ابن المغيرة المخزومي بقواته إلى اليمامة لإخضاع بني حنيفة وزعيمهم مسيلمة الكذاب وكان مسيلمة هذا قد ولد ونشأ في القرية المسماة الآن الجبيلة قرب العيينة بوادي حنيفة في نجد.

وقد تقدم خالدا بقواته لمحاربة المرتدين في اليمامة وقد اشتركت معه بالقتال ضد المرتدين قبائل من بكر بن وائل ومنهم بنو شيبان وتمكن من إخضاع قبيلة مجاعة بن مرارة بن سلمى ثم عسكر خالد على مسافة ميل من اليمامة وكانت قوات بني حنيفة أصحاب مسيلمة بقيادة الرجّال بن عنفوة ومعه محكم بن الطفيل بن سبيع فهاجم خالد هجوما شديدا ودارت اشد المعارك العنيفة التي ذهب ضحيتها عدد كبير من الصحابة رضوان الله عليهم كما قتل الرجّال بن عنفوة وقد تمكن عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنه من قتل المحكم بسهم أصابه به وهنا تراجع جيش المرتدين إلى الحديقة فدارت بها اعنف المعارك وأكثرها ضراوة حتى سميت (حديقة الموت) لكثرة الخسائر التي أصابت الطرفين حتى انتهت المعركة النهائية بمقتل مسيلمة الكذاب وإبادة جيشه ولقد اختلف المؤرخون والرواة في تحديد قاتل مسيلمة والتثبيت على ذلك بعدة روايات فمنهم من قال إن خداش بن بشير الأصم هو الذي قتله ومنهم من قال إن وحشي بن حرب الحبشي قاتل الحمزة رضي الله عنه قال انه قتله وهو القائل( قتلت خير الناس وشر الناس) ومنهم من قال إن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه هو من قتله وفيهم من قال إن جميع أولئك الرجال قد اشتركوا بقتله.

وقد قال أحد رجال مسيلمة بعد قتل المحكم

فان انج منها انج منها عظيمة

وإلا فاني شارب كاس محكم

وهو قول يدلل على الحيرة ومدى الشعور بالأزمة الكبيرة فقد كان عدد من استشهد من الصحابة قد تجاوز الألف شهيد بتلك المعارك وحدها بينهم زيد بن الخطاب أخا عمر بن الخطاب رضي الله عنه وقد قتله أبو مريم اياس بن صبيح ومن غريب عدالة سيدنا عمر انه عفا عن أبي مريم لانه عاد إلى الإسلام بعد المعركة فعينه قاضيا على البصرة!!

كما استشهد أيضا في تلك المعارك الوليد بن عبد شمس بن المغيرة المخزومي ابن عم خالد بن الوليد رضي الله عنه كما استشهد بها أيضا الصحابي أبو دجانة رضي الله عنه وأيضا الحكم بن سعد بن العاص بن أمية وغيرهم كثيرون رحمهم الله ورضي عنهم ولحقنا بهم.

بزاخــة

********

وهي منطقة ماء لبني أسد وكانت قبيلة بيني أسد قد ارتدت عن الإسلام وكان زعيمها هو طليحة ابن خويلد الأسدي الذي ادعى النبوة أيضا فقرر أبو بكر رضي الله عنه إخضاعهم فحرك جيشا إليهم بقيادة خالد بن الوليد المخزومي وقد كان طليحة بن خويلد هذا من الأبطال العرب في المبارزة بالسيف( وقد أبلى بلاء حسنا في القادسية فيما بعد تكفيرا عن ذنبه بمعارك الردة).

لقد تقدم خالدا بجيشه وكان يدفع أمامه كتيبتين إحداهما بقيادة الصحابي عكاشة بن محصن الاسدي والثانية بقيادة ثابت بن اقرم البلوي أما طليحة فقد كان قدم أخاه حبال بن خويلد الاسدي فدارت معركة شديدة ابيدت فيها كتيبة حبال وقتل حبال بن خويلد بتلك المعركة فحاول طليحة انجاد أخيه إلا انه لم يلحق فاصطدم بجيش خالد وتمكن من إبادة كتيبتي عكاشة وثابت وقتل القائدين الصحابيين ( وذلك هو الأمر الذي سأله عنه فيما بعد الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين رآه فأجاب انهما سعدا به وشقي بهما وانه يستغفر الله) ثم التحم الجيشان فتقدم عيينة بن حصن أحد قواد طليحة وقال له أما ترى ما يصنع جيش أبي الفصيل أي خالد ثم سأله أما انزل عليك الوحي من شيء بتلك المحنة فقال طليحة نعم جاءني فقال( إن لك رحا كرحاه ويوما لا تنساه) فقال له عيينة أرى إن لك يوما لن تنساه فصاح يا بني فزارة إن هذا كذاب فانهزم عنه الناس ولما رأى طليحة ذلك هرب واتى إلى المدينة مسلما فقبل أبو بكر رضي الله عنه إسلامه ثم وجهه بعدئذ نحو العراق فكان بطلا عظيما في القادسية ونهاوند.

وفي إبادة كتيبتي خالد وقتل عكاشة بن محصن وثابت بن اقرم قال طليحة ثارا لأخيه حبال

ذكرت أخي لما عرفت وجوههم

وأيقنت اني ثائر بحبــال

عشية غادرت ابن اقرم ثاويــا

وعكاشة الغنمي عند مجال

الغمــر

********

ثم سار خالد بن الوليد بقواته إلى الغمر وفيها المتمردون من أسد وغطفان وكان قائدهم هو خارجة بن حصن بن حذيفة وقاتلهم خالد قتالا شديدا انتهى بدحرهم وفي ذلك قال الحطيئة العبسي

ألا كل الرماح قصار أذلة

فداء لارماح الفوارس بالغمر

جو قراقر

*********

ثم تقدم خالد بقواته إلى جو قراقر وفيها المرتدون من بني سليم وكان قائدهم أبو شجرة عمرو بن عبد العزي السلمي وأمه الخنساء فقاتل أولئك جيش خالدا قتالا مريرا شديدا وأوقعوا بجيشه خسائر كبيرة ولكن خالدا صمد وتمكن بالنهاية من دحرهم فهرب أبو شجرة وكان هو القائل في تلك المعركة

ورويت رمحي من كتيبة خالد

واني لارجو بعدها أن اعمرا

ولما عاتبه الخليفة عمر بن الخطاب حين رآه فيما بعد قائلا له الست القائل ورويت رمحي......

أجاب قد محا الإسلام ذلك يا أمير المؤمنين.